و هذا الأمر لا يخلو من إحدى حالتين، فإمّا أن تكون هذه النعم مدعاة للتنبيه و
الإيقاظ فتكون الهداية الإلهية في هذه الحال عملية.
أو أنّ هذه النعم تزيدهم غرورا و جهلا، فعندئذ يكون عقاب اللّه لهم في آخر
مرحلة أوجع، لأنّهم حين يغرقون في نعم اللّه و ملذاتهم و يبطرون، فإنّ اللّه
سبحانه يسلب عندئذ هذه النعم منهم، و يطوي سجل حياتهم، فيكون هذا العقاب صارما و
شديدا جدّا ...
و هذا المعنى بجميع خصوصياته لا يحمله لفظ الاستدراج وحده، بل يستفاد هذا
المعنى يفيد مِنْ حَيْثُ لا يَعْلَمُونَ أيضا.
و على كل حال، فهذه الآية تنذر جميع المجرمين و المذنبين بأنّ تأخير الجزاء من
قبل اللّه لا يعني صحة أعمالهم أو طهارتهم، و لا عجزا و ضعفا من اللّه، و أن لا
يحسبوا أنّ النعم التي غرقوا فيها هي دليل على قربهم من اللّه، فما أقرب من أن
تكون هذه النعم و الانتصارات مقدمة لعقاب الاستدراج. فاللّه سبحانه يغشّيهم بالنعم
و يمهلهم و يرفعهم عاليا، إلّا أنّه يكبسهم على الأرض فجأة حتى لا يبقى منهم أثر،
و يطوي بذلك وجودهم و تأريخ حياتهم كله.
يقول الإمام علي عليه السّلام في نهج البلاغة أنّه «من وسّع عليه في ذات يده فلم ير ذلك استدراجا فقد أمن مخوفا» [1].
كما
جاء عنه عليه السّلام في روضة الكافي أنّه قال: «ثمّ إنّه سيأتي عليكم من بعدي زمان ليس في ذلك الزمان شيء أخفى من الحق، و
لا أظهر من الباطل، و لا أكثر من الكذب على اللّه و رسوله صلّى اللّه عليه و آله و
سلّم- إلى أن قال- يدخل الداخل لما يسمع من حكم القرآن فلا يطمئن جالسا حتى يخرج
من الدين، ينتقل من دين ملك إلى دين ملك، و من ولاية إلى ولاية ملك، و من طاعة ملك
إلى طاعة ملك، و من عهود ملك إلى