إلّا أننا نستبعد ما يحتمله بعضهم من أن المقصود هو (أمية بن الصلت) الشاعر
المعروف في زمان الجاهلية، الذي كان بادئ أمره و نتيجة لاطلاعه على الكتب السماوية
ينتظر نبي آخر الزمان، ثمّ حصل له هاجس أن النّبي قد يكون هو نفسه، و لذلك بعد أن
بعث النّبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم أصابه الحسد له و عاداه.
و بعيد كذلك ما احتمله بعضهم من أنّه كان (أبا عامر) الراهب المعروف في
الجاهلية، الذي كان يبشر الناس بظهور رسول الإسلام صلّى اللّه عليه و آله و سلّم
لكنّه بعد ظهوره صار من أعدائه. لأنّ جملة (و اتل) و كلمة (نبأ) و جملة (فاقصص
القصص) تدل على أنّ تلك الأمور لا تتعلق بأشخاص عاصروا الرسول صلّى اللّه عليه و
آله و سلّم. بل بأقوام سابقين، مضافا إلى تلك فإنّ سورة الأعراف من السور المكية و
قضيتا [أبي عامر الراهب] و [أمية بن الصلت] تتعلقان بحوادث المدينة.
و لكن بما أن أشخاصا على غرار «بلعم» كانوا موجودين في عصر النّبي صلّى اللّه
عليه و آله و سلّم ك (أبي عامر) و (أمية بن الصلت) فإنّ الآيات محل البحث تنطبق
على هذه الموارد في كل عصر و زمان، و إلّا فإنّ مورد القصّة هو «بلعم بن باعوراء»
لا غير.
و قد نقل تفسير (المنار) عن النّبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم أن مثل بلعم
بن باعوراء في بني إسرائيل كأمية بن أبي الصلت في هذه الأمّة.
و
ورد عن الإمام الباقر عليه السلام أنّه قال: «الأصل من ذلك بلعم، ثمّ ضربه اللّه مثلا لكل مؤثر هواه على هوى اللّه من أهل
القبلة».
و من هذا يتبيّن أن الخطر الأكيد الذي يهدد المجتمعات الإنسانية هو خطر
المثقفين و العلماء الذين يسخّرون معارفهم للفراعنة و الجبارين لأجل أهوائهم
[1] في التوراة الحالية نجد ورود قضية
«بلعم بن باعوراء» أيضا، إلّا أنّ التوراة تبرئه في النهاية من الانحراف، يراجع
بذلك سفر الأعداد الباب 22.