أَ لَمْ يُؤْخَذْ عَلَيْهِمْ مِيثاقُ الْكِتابِ أَنْ لا
يَقُولُوا عَلَى اللَّهِ إِلَّا الْحَقَ أي
أنّهم أخذ عليهم الميثاق- بواسطة كتابهم السماوي التوراة- أن لا يفتروا على اللّه
كذبا، و لا يحرفوا كلماته، و لا يقولوا إلّا الحق.
ثمّ يقول: لو كان هؤلاء الذين يرتكبون هذه المخالفات جاهلون بالآيات الإلهية،
لكان من الممكن أن ينحتوا لأنفسهم أعذارا، و لكن المشكلة هي أنّهم رأوا التوراة
مرارا و فهموا محتواها و مع ذلك ضيعوا أحكامها، و نبذوا أمرها وراء ظهورهم وَ دَرَسُوا ما فِيهِ و «الدرس» في اللغة يعني تكرار شيء، و حيث أن الإنسان عند المطالعة، و تلقي
العلم من الأستاذ و المعلم يكرّر المواضيع، لهذا أطلق عليه لفظ «الدرس» و إذا ما
رأينا أنّهم يستعملون لفظة «درس و الاندراس» على انمحاء أثر الشيء فإنّما هو لهذا
السبب و بهذه العناية، و لأنّ الأمطار و الرياح و الحوادث الأخرى تتوالى على
الأبنية القديمة و تبليها.
في ختام الآية يقول: إنّ هؤلاء يخطئون في تقديرهم للأمور، و إنّ هذه الأعمال
لن تجديهم نفعا وَ الدَّارُ الْآخِرَةُ خَيْرٌ لِلَّذِينَ
يَتَّقُونَ.
ألا تفهمون هذه الحقائق الواضحة أَ فَلا
تَعْقِلُونَ؟؟
و في مقابل الفريق المشار إليه سابقا يشير تعالى إلى فريق آخر لم يكتفوا بعدم
اقتراف جريمة تحريف الآيات الإلهية و كتمانها فحسب، بل تمسكوا بحذافيرها و طبقوها
في حياتهم حرفا بحرف، و القرآن يصف هذه الجماعة بأنّهم مصلحو العالم، و يعترف لهم
بأجر جزيل و ثواب عظيم، و يقول عنهم: وَ
الَّذِينَ يُمَسِّكُونَ بِالْكِتابِ وَ أَقامُوا الصَّلاةَ إِنَّا لا نُضِيعُ
أَجْرَ الْمُصْلِحِينَ.
و قد وقع كلام بين المفسّرين حول المراد من «الكتاب» و هل أنّه التوراة أو
القرآن الكريم؟ بعض ذهب إلى الأوّل، و بعض إلى الثّاني. و الظاهر أنّه إشارة إلى
فريق من بني إسرائيل الذين انفصلوا عن الضالين الظالمين، و عاكسوهم فى سلوكهم و
موقفهم. و لا شك أن التمسك بالتوراة و الإنجيل و ما فيهما من بشائر