ذلك المجتمع الذي انحرف عن الحق، إذ العودة إلى الحق و الصواب عسيرة في غير
هذه الصورة.
إنّ القرآن يستعرض ردّة فعل موسى الشديدة في قبال ذلك المشهد و في تلك الأزمة،
إذ يقول: إنّ موسى ألقى ألواح التوراة التي كانت بيده، و عمد إلى أخيه هارون و أخذ
برأسه و لحيته و جرهما إلى ناحيته ساخطا غاضبا.
و كما يستفاد من آيات قرآنية أخرى، و بخاصّة في سورة طه، أنّه علاوة على ذلك
لام هارون بشدّة، و صاح به، لماذا قصّرت في المحافظة على عقائد بني إسرائيل و
خالفت أمري [1].
و في الحقيقة كان هذا الموقف يعكس- من جانب- حالة موسى عليه السلام النفسية، و
انزعاجه الشديد تجاه و ثنية بني إسرائيل و انحرافهم، و من جانب آخر كان ذلك وسيلة
مؤثرة لهزّ عقول بني إسرائيل الغافية، و الفاتهم إلى بشاعة عملهم.
و بناء على هذا إذا كان إلقاء ألواح التوراة في هذا الموقف قبيحا- فرضا- و كان
الهجوم على أخيه لا يبدو كونه عملا صحيحا، و لكن مع ملاحظة الحقيقة التالية، و هي
أنّه من دون إظهار هذا الموقف الانزعاجي الشديد لم يكن من الممكن إلفات نظر بني
إسرائيل إلى بشاعة خطئهم ... و لكان من الممكن أن تبقى رواسب الوثنية في أعماق
نفوسهم و أفكارهم ... إنّ هذا العمل لم يكن فقط غير مذموم فحسب، بل كان يعد عملا
واجبا و ضروريا.
و من هنا يتّضح أنّنا نحتاج أبدا إلى التبريرات و التوجيهات التي ذهب إليها
بعض المفسّرين، للتوفيق بين عمل موسى عليه السلام هذا و بين مقام العصمة التي
يتحلى بها الأنبياء، لأنّه يمكن أن يقال هنا: إنّ موسى عليه السلام انزعج في هذه
اللحظة من تأريخ بني إسرائيل انزعاجا شديدا لم يسبق له مثيل، لأنّه وجد نفسه أمام
أسوأ