responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : الامثل في تفسير كتاب الله المنزل المؤلف : مكارم الشيرازي، الشيخ ناصر    الجزء : 5  صفحة : 227

غَضْبانَ أَسِفاً قالَ بِئْسَما خَلَفْتُمُونِي مِنْ بَعْدِي‌ [1].

إنّ هذه الآية تفيد بوضوح أن موسى عند رجوعه إلى قومه من الميقات و قبل أن يلتقي ببني إسرائيل كان غضبان أسفا، و هذا لأجل أن اللّه تعالى كان قد أخبر موسى عليه السلام بأنّه اختبر قومه من بعده و قد أضلّهم السامريّ‌ قالَ فَإِنَّا قَدْ فَتَنَّا قَوْمَكَ مِنْ بَعْدِكَ وَ أَضَلَّهُمُ السَّامِرِيُ‌ [2].

ثمّ إنّ موسى عليه السلام قال لهم: أَ عَجِلْتُمْ أَمْرَ رَبِّكُمْ‌.

للمفسّرين كلام كثير في تفسير هذه الجملة، و قد ذكروا احتمالات عديدة مختلفة، إلّا أن ظاهر الآيات يفيد أن المراد هو أنّكم تعجلتم في الحكم بالنسبة إلى أمر اللّه تعالى في قضية تمديد مدّة الميقات من ثلاثين إلى أربعين، فاعتبرتم عدم مجيئي في المدة المقررة- أوّلا- دليلا على موتي، في حين كان يتعين عليكم أن تتريثوا و تنتظروا قليلا ريثما تمرّ أيّام ثمّ تتّضح الحقيقة.

و في هذا الوقت بالذات، أي عند ما واجه موسى عليه السلام هذه الأزمة الخطيرة من حياة بني إسرائيل، و كان الغضب الشديد يسر بل كل كيانه، و يثقل روحه حزن عميق، و قلق شديد على مستقبل بني إسرائيل، لأنّ التخريب و الإفساد أمر سهل، و ربّما استطاع شخص واحد تخريب كيان عظيم و لكن الإصلاح و التعمير أمر صعب و عسير جدّا. خاصّة أنّه إذا سرت في شعب جاهل متعنت نغمة مخالفة شاذة، وافقت هوى و رغبة، فإنّ محوها لا شك لن يكون أمرا ممكنا و سهلا.

فهنا لا بدّ أن يظهر موسى عليه السلام غضبه الشديد و يقوم بالحدّ الأعلى من ردّ الفعل و السخط، كي يوقظ الأفكار المخدّرة لدى بني إسرائيل، و يوجد انقلابا في‌


[1] «الأسف» كما يقول الراغب في «المفردات» بمعنى الحزن المقرون بالغضب، و هذه الكلمة قد تستعمل في أحد المعنيين أيضا. و تعني في الأصل أن ينزعج الإنسان من شي‌ء بشدة، و من الطبيعي أن هذا الانزعاج إذا كان بسبب من هو دونه ظهر مقرونا بالغضب، و بردة فعل غاضبة، و إذا كان ممن هو فوقه ممن لا يستطيع مقاومته ظهر من صورة الحزن المجرّد، و قد نقل عن ابن عباس أيضا أن للحزن و الغضب أصل واحد و إن اختلفا لفظا.

[2] سورة طه، 85.

اسم الکتاب : الامثل في تفسير كتاب الله المنزل المؤلف : مكارم الشيرازي، الشيخ ناصر    الجزء : 5  صفحة : 227
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست