المشاهد ألا و هو الانحراف عن التوحيد إلى عبادة العجل، و كان يرى جميع آثارها
و أخطارها المتوقعة.
و على هذا فإنّ إلقاء الألواح و مؤاخذة أخيه بشدّة في مثل هذه اللحظة مسألة
طبيعية تماما.
إنّ ردة الفعل الشديدة هذه و إظهار الغضب هذا، كان له أثر تربوي بالغ في بني
إسرائيل، فقد قلب المشهد رأسا على عقب في حين أنّ موسى لو كان يريد أن ينصحهم
بالكلمات اللينة و المواعظ الهادئة، لكان قبولهم لكلامه و نصحه أقلّ بكثير.
ثمّ إنّ القرآن الكريم ذكر أنّ هارون قال- و هو يحاول استعطاف موسى و إثبات
برائته في هذه المسألة-: يا ابن أمّ هذه الجماعة الجاهلة جعلوني ضعيفا إلى درجة
أنّهم كادوا يقتلونني، فإذن أنا بريء، فلا تفعل بي ما سيكون موجبا لشماتة الأعداء
بي و لا تجعلني في صف هؤلاء الظالمين قالَ ابْنَ
أُمَّ إِنَّ الْقَوْمَ اسْتَضْعَفُونِي وَ كادُوا يَقْتُلُونَنِي فَلا تُشْمِتْ
بِيَ الْأَعْداءَ وَ لا تَجْعَلْنِي مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ.
إن التعبير ب: «ابن أمّ» في الآية الحاضرة أو «يا ابن أمّ» (كما في الآية 94
من سورة طه) مع أن موسى و هارون كانا من أب و أم واحدة، إنّما هو لأجل تحريك مشاعر
الرحمة و العطف لدى موسى عليه السلام في هذه الحالة الساخنة.
و في المآل تركت هذه القصّة أثرها، و سرعان ما التفت بنو إسرائيل إلى قبح
أعمالهم، فاستغفروا اللّه و طلبوا العفو منه.
لقد هدأ غضب موسى عليه السلام بعض الشيء، و توجه إلى اللّه قالَ رَبِّ اغْفِرْ لِي وَ لِأَخِي وَ أَدْخِلْنا فِي
رَحْمَتِكَ وَ أَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ.
إنّ طلب موسى عليه السلام العفو و المغفرة من اللّه تعالى لنفسه و لأخيه، لم
يكن لذنب اقترفاه، بل كان نوعا من الخضوع للّه، و العودة إليه، و إظهار النفرة من
أعمال