و يجب الانتباه إلى أن القرآن الكريم تناول في كل سورة من سور قسما- أو عدّة
أقسام- من هذه المراحل الخمس.
و من تلك الآيات التي تناولت جوانب من قصّة موسى عليه السلام هذه الآيات، و
عشرات الآيات الأخر من هذه السورة، و هي تشير إلى مراحل ما بعد بعثة موسى بن عمران
بالنبوة. و لهذا فإنّنا نوكل الأبحاث المتعلقة بالمراحل السابقة على هذه المرحلة
إلى حين تفسير الآيات المرتبطة بتلك الأقسام في السور الأخرى، و بخاصّة سورة
القصص.
في الآية الأولى من الآيات الحاضرة يقول تعالى: ثُمَّ بَعَثْنا مِنْ بَعْدِهِمْ مُوسى بِآياتِنا إِلى
فِرْعَوْنَ وَ مَلَائِهِ أي من بعد قوم
نوح و هود و صالح.
و يجب الالتفات إلى أنّ «فرعون» اسم عام، و هو يطلق على كل ملوك مصر، كما يطلق
على ملوك الروم «قيصر» و ملوك فارس «كسرى».
و لفظة «الملأ»- كما أشرنا إلى ذلك فيما سبق- تعني الأعيان و الأشراف الذين يملأون
ببريقهم و ظواهرهم الباذخة العيون، و لهم حضور ملفت للنظر في جميع ميادين المجتمع.
و السر في إرسال موسى في بداية الدعوة إلى فرعون و ملأه هو أنّه علاوة على أنّ
إحدى برامج موسى كان هو نجاة بني إسرائيل من براثن استعمار الفراعنة و تخليصهم من
أرض مصر- و هذا لا يمكن أن يتم من دون الحوار مع فرعون- إنّما هو لأجل أن المفاسد
الاجتماعية و انحراف البيئة لا تعالج بمجرّد الإصلاحات الفردية و الموضعية فقط، بل
يجب أن يبدأ بإصلاح رؤوس المجتمع و قادته الذين يمسكون بأزمة السياسة و الإقتصاد و
الثقافة، حتى تتهيأ الأرضية لإصلاح البقية، كما يقال عرفا: إنّ تصفية الماء يجب أن
تكون من المنبع.