ثمّ أنّه عليه السلام بعد الدعوة إلى التوحيد أخذ في محاربة المفاسد
الاجتماعية و الأخلاقية و الاقتصادية السائدة فيهم، و في البدء منعهم من ممارسة
التطفيف، و الغش في المعاملة، يقول: فَأَوْفُوا
الْكَيْلَ وَ الْمِيزانَ وَ لا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْياءَهُمْ[1] و واضح أن
تسرّب أيّ نوع من أنواع الخيانة و الغش في المعاملات يزعزع بل و يهدم أسس
الطمأنينة و الثقة العامّة التي هي أهم دعامة لاقتصاد الشعوب و تلحق بالمجتمع
خسائر غير قابلة للجبران. و لهذا السبب كان أحد الموضوعات الهامّة التي ركز عليها
شعيب هو هذا الموضوع بالذات.
ثمّ يشير إلى عمل آخر من الأعمال الأثيمة، و هو الإفساد في الأرض بعد أن أصلحت
أوضاعها بجهود الأنبياء، و في ضوء الإيمان فقال: وَ لا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلاحِها.
و من المسلّم أنّه لا يستفيد أحد من إيجاد الفساد و من الإفساد، سواء كان
فسادا أخلاقيا، أو من قبيل فقدان الإيمان، أو عدم وجود الأمن، لهذا أضاف في آخر
الآية قائلا: ذلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ
مُؤْمِنِينَ.
و كأنّ إضافة عبارة: «إن كنتم مؤمنين» إشارة إلى أنّ هذه التعاليم الاجتماعية
و الأخلاقية إنما تكون متجذرة و مثمرة إذا كانت نابعة من الإيمان و مستمدة من
نوره. أمّا لو كانت قائمة على أساس سلسلة من ملاحظة المصالح المادية، لم يكن لها
بقاء و دوام.
و في الآية اللاحقة يشير إلى رابع نصيحة لشعيب، و هي منعهم عن الجلوس على
الطرقات و تهديد الناس، و صدّهم عن سبيل اللّه، و تضليل الناس بإلقاء
[1] البخس يعني نقص حقوق الأشخاص، و
النّزول عن الحد بصورة توجب الظلم و الحيف.