الجنسية، و القضاء على الهدف الأصلي، و هو استمرار النسل البشري.
ثمّ يقول تعالى في نهاية الآية: بَلْ
أَنْتُمْ قَوْمٌ مُسْرِفُونَ أي تجاوزتم
حدود اللّه، و وقعتم في متاهة الانحراف و التجاوز عن حدود الفطرة.
و يمكن أن تكون هذه العبارة إشارة إلى أنّهم لم يسلكوا سبيل الإسراف في مجال
الغريزة الجنسية فحسب، بل تورطوا في مثل هذا الانحراف و الإسراف في كل شي، و في كل
عمل.
و الجدير بالذكر أنّ الآية الأولى ذكرت الموضوع بصورة مجملة، و لكن الآية
الثّانية ذكرته بصورة مبيّنة و واضحة، و هذا هو أحد فنون البلاغة عند بيان القضايا
الهامة، فإذا فعل أحد عملا شيئا قال له مرشده و وليه الواعي الحكيم، لبيان أهمية
الموضوع: أنت ارتكبت ذنبا عظيما، فإذا قال له الشخص، ماذا فعلت؟ يقول له مرّة
أخرى: أنت ارتكبت ذنبا عظيما، و في المآل يكشف القناع عن فعله و يشرحه.
إنّ هذا النوع من البيان يهيء فكر الطرف الآخر و نفسه للوقوف تدريجا على
شناعة عمله القبيح و خطورته، و هو أبلغ في التأثير.
و في الآية اللاحقة أشار القرآن الكريم إلى الجواب المتعنت و غير المنطقي لقوم
لوط، و قال: إنّهم لم يكن لديهم أي جواب في مقابل دعوة هذا النّبي الناصح المصلح،
إلّا أن قالوا: أخرجوا لوطا و أتباعه من مدينتكم. و لكن ما كان ذنبهم؟ إنّ ذنبهم
هو أنّهم كانوا جماعة طاهرين لم يلوثوا أنفسهم بأدران المعصية وَ ما كانَ جَوابَ قَوْمِهِ إِلَّا أَنْ قالُوا
أَخْرِجُوهُمْ مِنْ قَرْيَتِكُمْ إِنَّهُمْ أُناسٌ يَتَطَهَّرُونَ.
و هذا ليس موضع تعجب و استغراب أن يطرد جماعة من العصاة الفسقة أشخاصا طاهرين
لا لشيء إلّا لأنّهم أنقياء الجيب، يجتنبون المنكرات، و ذلك لأنّ هؤلاء القوم
يعتبرون هؤلاء مزاحمين لشهواتهم، فكانت نقاط القوة لدى أولئك الأطهار نقاط ضعف و
عيب في نظرهم.