و يظهر أنّ الهدف الوحيد في هذه السورة (الأعراف) هو تقديم عصارات و خلاصات من
مواجهات الأنبياء و حواراتهم مع الجماعات المتمردة من أقوامهم، و لكن الشرح الكامل
لقصصهم موكول إلى السور القرآنية الأخرى (و سوف نأتي بقصّة هذه الجماعة بصورة
مفصلة في سورة هود و الحجر إن شاء اللّه).
الآية الأولى تقول في البدء: اذكروا و إذ قال لوط لقومه: أ ترتكبون فعلا قبيحا
لم يفعله أحد قبلكم من الناس؟ وَ لُوطاً
إِذْ قالَ لِقَوْمِهِ أَ تَأْتُونَ الْفاحِشَةَ ما سَبَقَكُمْ بِها مِنْ أَحَدٍ
مِنَ الْعالَمِينَ؟! فهذه المعصية مضافا إلى
كونها عملا قبيحا جدّا- لم يفعلها أحد قبلكم من الأقوام- و بذلك يكون قبح هذا
العمل الشنيع مضاعفا، لأنّه أصبح أساسا لسنّة سيئة، و سببا لوقوع الآخرين في
المعصية عاجلا أو آجلا.
و يستفاد من الآية الحاضرة أنّ هذا العمل القبيح ينتهي- من الناحية التأريخية-
إلى قوم لوط، و كانوا قوما أثرياء مترفين شهوانيين، سنذكر أحوالهم بالتفصيل في
السور التي أشرنا إليها إن شاء اللّه تعالى.
و في الآية اللاحقة يشرح المعصية التي ذكرت في الآية السابقة و يقول:
و أي انحراف أسوأ و أقبح من أن يترك الإنسان وسيلة توليد النسل و إنجاب
الأولاد، و هو مقاربة الرجل للمرأة، و الذي أودعه اللّه في كيان كل إنسان بصورة
غريزية طبيعية، و يعمد إلى «الجنس الموافق»، و يفعل بالتالي ما يخالف- أساسا-
الفطرة، و التركيب الطبيعي للجسم و الروح الإنسانيين، و الغريزة السوية الصحيحة، و
تكون نتيجة عقم الهدف المتوخى من المقاربة الجنسية.
و بعبارة أخرى: يكون أثره الوحيد، هو الإشباع الكاذب و المنحرف للحاجة