و أيّ فوز أرقى و أسمى من الوصول إلى جوار اللّه، و التمتع في نعيمه الذي لا
يوصف! نعم، فمفتاح ذلك الفوز العظيم هو (الإيمان و العمل الصالح)، و ما عداه فروع
لهذا الأصل.
عَمِلُوا الصَّالِحاتِ: إشارة إلى أنّ العمل الصالح لا يختص بشيء محدد، بل ينبغي أن يكون محور حياة
الإنسان هو: «العمل الصالح».
«ذلك»: إشارة للبعيد، و استعملت هنا
لتبيان عظمة و أهمية المشار إليه، أيّ: إنّ فوزهم الكبير من عظمة الشأن، بقدر لا
يخطر على بال أحد.
و يعود القرآن مرّة اخرى لتهديد الكفار الذين يفتنون المؤمنين، فيقول: إِنَّ بَطْشَ رَبِّكَ لَشَدِيدٌ.
و لا تظنوا بأن القيامة أمر خيالي، أو إنّ المعاد من الأمور التي يشك في صحة
تحققها، بل: إِنَّهُ هُوَ يُبْدِئُ وَ يُعِيدُ.
«البطش»: تناول الشيء بصولة و قهر، و
باعتباره مقدّمة للعقاب، فقد استعمل بمعنى العقاب و المجازاة.
«ربّك»: تسلية للنبيّ صلّى اللّه عليه
و آله و سلّم، و تأكيد دعم اللّه اللامحدود له.
و الجدير بالملاحظة، إنّ الآية تضمّنت جملة تأكيدات، لتبيان صرامة التهديد
الإلهي بجديّة و قطع.
ف «البطش» يحمل معنى الشدّة المؤكّدة، و الجملة الاسمية عادة ما تأتي للتأكيد،
و وصف البطش بأنّه «شديد»، و كذا وجود «إن»، و وجود لام التأكيد في «لشديد»، هذا
بالإضافة إلى التأكيد المتضمّن في قوله تعالى: إِنَّهُ هُوَ يُبْدِئُ وَ يُعِيدُ كدليل إجمالي على المعاد [1].
[1]- و هذا يشبه دليل الآية (79) من
سورة «يس»: قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنْشَأَها
أَوَّلَ مَرَّةٍ وَ هُوَ بِكُلِّ خَلْقٍ عَلِيمٌ، يقال: إنّ الفارابي تمنى لو كان أرسطو «الفيلسوف اليوناني المعروف» حيّا
ليرى جمال هذا الدليل المحكم في القرآن الكريم.