و تأسفوا لعدم التفات المفسّرين لهذه النكتة! و الآيتان: إِذْ هُمْ عَلَيْها قُعُودٌ، وَ هُمْ عَلى ما يَفْعَلُونَ
بِالْمُؤْمِنِينَ شُهُودٌ، تشيران إلى
ذلك الجمع من النّاس الذين حضروا الواقعة، و هم ينظرون إلى ما يحدث بكل تلذذ و
برود و في منتهى قساوة القلب (سادية)! و قيل: الإشارة إلى المأمورين بتنفيذ
التهديد، و إجبار المؤمنين على ترك إيمانهم.
و قيل أيضا: إنّهم كانوا فريقين، فريق يباشر التعذيب، و آخر حضر للمشاهدة، و
قد أشرك الجميع في هذا العمل لرضايتهم به.
و هذه صورة طبيعية الوقوع، حيث هناك من يأمر (الرؤساء)، و من ينفذ (المرؤسون)،
و ثمّة المشاهدون من غير الآمر و المأمور.
و قيل أيضا: ثمّة فريق منهم كان مكلفا بمراقبة عملية التنفيذ لرفع تقاريرهم
إلى السلطان عن كيفية أداء المأمورين لواجباتهم السلطانية.
و لا يبعد وجود كلّ ما ذكر من أصناف في ذلك المشهد المروع، كما و بالإمكان
الجمع بين كلّ الآراء المطروحة.
و مجيء فعل جملة «يفعلون» بصيغة المضارع، للإشارة إلى أنّ ذلك العمل قد
استغرق وقتا طويلا، و ما كان بالحدث السريع العابر.
و تقول الآية التالية: وَ ما
نَقَمُوا مِنْهُمْ إِلَّا أَنْ يُؤْمِنُوا بِاللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ.
نعم، فجرمهم الوحيد إنّهم آمنوا باللّه الواحد الأحد دون تلك الأصنام الفاقدة
للعقل و الإحساس.
«نقموا»: من (النقم)- على زنة قلم- و
هو الإنكار باللسان أو بالعقوبة، و منه (الانتقام).
هكذا عقوبة لا تجري إلّا على ذنب عظيم، و أين الإيمان باللّه العزيز الحميد من
الذنب؟! إنّه الانحطاط الكبير الذي وصل إليه أولئك القوم، قد صوّر لهم أعزّ