هذا الإنتصار الكبير أدى إلى تطهير الساحة من أفكار الشرك، و إلى تجلي جمال
اللّه و كماله أكثر من ذي قبل، و إلى اهتداء من ضلّ الطريق إلى اللّه.
هذا الفتح العظيم أدى إلى أن لا يظن فرد بأن اللّه يترك أنصاره وحدهم (و لذلك
جاء أمر التسبيح لتنزيهه من هذا النقص) و إلى أن يعلم المؤمنون بأن وعده الحق
(موصوف بهذا الكمال)، و إلى أن يعترف العباد بنقصهم أمام عظمة اللّه.
أضف إلى ما سبق، أن الإنسان- عند النصر- قد تظهر عليه ردود فعل سلبية فيقع في
الغرور و التعالي، أو يتخذ موقف الانتقام و تصفية الحسابات الشخصية، و هذه الأوامر
الثلاثة تعلمه أن يكون في لحظات النصر الحساسة ذاكرا لصفات جلال اللّه و جماله و
أن يرى كل شيء منه سبحانه، و يتجه إلى الاستغفار كي يزول عنه غرور الغفلة و يبتعد
عن الانتقام.
5- رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم مثل كل الأنبياء معصوم، فلما ذا
الاستغفار؟
الجواب أن هذا تعليم لكل الأمة لأنه:
أوّلا: خلال أيّام المواجهة بين الإسلام و الشرك مرّت فترات عصيبة على
المسلمين، و تفاقمت في بعض المراحل مشاكل الدعوة، و ضاقت صدور بعضهم و ساور بعضهم
الآخر شكوك في وعد اللّه. كما قال سبحانه فيهم عند غزوة «الأحزاب»: وَ بَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَناجِرَ وَ تَظُنُّونَ
بِاللَّهِ الظُّنُونَا[1].
و الآن إذ تحقق الإنتصار فقد اتضح خطل تلك الظنون، و لا بدّ من «الاستغفار»
ثانيا: الإنسان لا يستطيع أن يؤدي حقّ الشكر، مهما حمد اللّه و أثنى عليه.
و لذلك لا بدّ له بعد الحمد و الثناء أن يتجه إلى استغفاره سبحانه.