ثالثا: بعد الإنتصار تبدأ عادة وساوس الشيطان، فتبرز ظاهرة الغرور تارة و
ظاهرة الانتقام تارة أخرى. و لا بدّ إذن من ذكر اللّه و استغفاره باستمرار حتى لا
تظهر هذه الحالات، و لتزول إن ظهرت.
رابعا: إعلام هذا النصر يعني انتهاء مهمّة النّبي صلّى اللّه عليه و آله و
سلّم تقريبا كما ذكرنا في بداية السّورة، و انتهاء عمره المبارك و التحاقه بالرفيق
الأعلى. و لذا
جاء في الرّوايات أنّ رسول اللّه صلّى
اللّه عليه و آله و سلّم بعد نزول هذه السّورة كان يكثر من قول: «سبحانك اللّهم و
بحمدك، اللّهم اغفر لي إنّك أنت التواب الرحيم».
6- عبارة إِنَّهُ كانَ تَوَّاباً تبيّن علّة الاستغفار. أي استغفره و تب إليه لأنّه سبحانه
تواب.
و قد تكون العبارة تستهدف تعليم المسلمين العفو، فكما إن اللّه تواب كذلك أنتم
ينبغي أن تقبلوا توبة المذنبين بعد الإنتصار ما أمكنكم ذلك. و أن لا تطردوهم ما
داموا منصرفين عن المخالفة و التآمر. و لذلك اتخذ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و
آله و سلّم في فتح مكّة- كما سنرى- موقف الرحمة و الرأفة مقابل الأعداء الحقودين.
التسبيح و الحمد و الاستغفار دأب كل الأنبياء الكرام عند تحقق النصر. يوسف
عليه السّلام حين جلس على سرير الحكم في مصر و عاد إليه والداه و اخوته بعد فراق
طويل قال: رَبِّ قَدْ آتَيْتَنِي مِنَ الْمُلْكِ وَ
عَلَّمْتَنِي مِنْ تَأْوِيلِ الْأَحادِيثِ فاطِرَ السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ أَنْتَ
وَلِيِّي فِي الدُّنْيا وَ الْآخِرَةِ تَوَفَّنِي مُسْلِماً وَ أَلْحِقْنِي
بِالصَّالِحِينَ. [1] و عند ما حضر عرش ملكة سبأ أمام سليمان عليه السّلام قال: هذا مِنْ فَضْلِ رَبِّي لِيَبْلُوَنِي أَ أَشْكُرُ أَمْ
أَكْفُرُ[2].