و إنّما أقسم بالعصر لأهميته، إذ هو في وقت من النهار يحدث فيه تغيير في نظام
المعيشة و حياة البشر، الأعمال اليومية تنتهي، و الطيور تعود إلى أوكارها، و قرص
الشمس يميل إلى الغروب، و يتجه الجو إلى أن يكون مظلما بالتدريج.
هذا التغيير يلفت نظر الإنسان إلى قدرة اللّه المطلقة في نظام الكون، و هو في
الواقع أحد علامات التوحيد، و أية من آيات اللّه تستحق أن يقسم بها.
2- قيل: إنّه كلّ الزمان و تاريخ البشرية المملوء بدروس العبرة، و الأحداث
الجسيمة. و هو لذلك عظيم يستحق القسم الإلهي.
3- بعضهم قال: إنّه مقطع خاص من الزمان مثل عصر البعثة النبوية المباركة، أو
عصر قيام المهدي المنتظر عليه السّلام، و هي مقاطع زمنية ذات خصائص متميزة و عظمة
فائقة في تاريخ البشر. و القسم في الآية إنّما هو بتلك الأزمنة الخاصّة [1].
4- بعضهم عاد إلى الأصل اللغوي للكلمة، و قال إنّ القسم في الآية بأنواع
الضغوط و المشاكل التي تواجه الإنسان في حياته، و تبعث فيه الصحوة و توقظه من
رقاده، و تذكره باللّه سبحانه، و تربّي فيه روح الاستقامة.
5- قيل: إنّها إشارة إلى «الإنسان الكامل» الذي هو في الواقع عصارة عالم الوجود
و الخليقة.
6- و أخيرا قيل إنّ الكلمة يراد بها صلاة العصر، لأهميتها الخاصّة بين بقية
الصلوات، لأنّها (الصلاة الوسطى) التي أمر اللّه أن يحافظ عليها خاصّة.
مع أنّ التفاسير أعلاه غير متضادة، و يمكن أن تجتمع كلّها في معنى الآية، و
يكون القسم بكل هذه الأمور الهامّة، و لكن الأنسب فيها هو القسم بالزمان و تاريخ
البشرية. لأنّ القسم القرآني- كما ذكرنا مرارا- يتناسب مع الموضوع الذي أقسم اللّه
من أجله و من المؤكّد أن خسران الإنسان في الحياة ناتج عن
[1]- عن الإمام جعفر بن محمّد الصادق
عليه السّلام قال في تفسير آية: وَ
الْعَصْرِ إِنَّ الْإِنْسانَ لَفِي خُسْرٍ:
العصر عصر خروج القائم (أي خروج الإمام المهدي المنتظر سلام اللّه عليه). نور
الثقلين، ج 5، ص 666، الحديث 5.