الانحراف و الاعوجاج. من هنا فإنّ هذه «الكتب» تعني المكتوبات، أو تعني
الأحكام و التشريعات المنصوصة من اللّه، لأنّ الكتابة جاءت بمعنى تعيين الحكم
أيضا، كقوله تعالى: كُتِبَ عَلَيْكُمُ
الصِّيامُ كَما كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ[1].
و بهذا يكون معنى «قيمة» السويّة و المستقيمة، أو الثابتة و المستحكمة، أو ذات
قيمة، أو كل هذه المعاني مجتمعة.
و يحتمل أيضا أن يكون المعنى هو أن القرآن فيه الكتب السماوية القيّمة السابقة
لأنّه يضم جميع محتوياتها و زيادة.
و يلفت النظر تقدم ذكر أهل الكتاب على المشركين في الآية الاولى، و الاقتصار
على ذكر أهل الكتاب في الآية الرابعة دون ذكر المشركين، بينما الآية تريد الإثنين.
و هذا يعود ظاهرا إلى أنّ أهل الكتاب كانوا هم الروّاد في هذه المواقف، و كان
المشركون تابعين لهم. أو لأنّ أهل الكتاب كانوا أهلا لذم أكثر لما عندهم من علماء
كثيرين، و بذلك كانوا ذا مستوى أرفع من المشركين. معارضتهم- إذن- أفظع و أبشع و
تستحق مزيدا من التقريع.
ثمّ يتوالى التقريع لأهل الكتاب، و من بعدهم للمشركين، لأنّهم اختلفوا في
الدين الجديد، منهم مؤمن و منهم كافر، بينما: وَ ما أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ
لَهُ الدِّينَ حُنَفاءَ وَ يُقِيمُوا الصَّلاةَ وَ يُؤْتُوا الزَّكاةَ[2].
[2]- جملة «و ما أمروا» قد تكون حالية
أو استئنافية. و اللام في «ليعبدوا» لام الغرض، و المقصود هنا الغرض الذي يعود على
العباد، لا الغرض الذي يعود على اللّه كما تصور بعض المفسّرين و أدى بهم هذا
التصور إلى إنكار «لام الغرض» في مثل هذه المواضع. كل أفعال اللّه معللة بالأغراض،
لكنّها أغراض تعود على العباد. بعضهم اعتبر اللام هنا بمعنى «أن» كما في قوله
تعالى: