عبارة إِنَّا أَنْزَلْناهُ فيها إشارة اخرى إلى عظمة هذا الكتاب السماوي. فقد نسب
اللّه نزوله إليه، و بصيغة المتكلم مع الغير أيضا، و هي صيغة لها مفهوم جمعي و تدل
على العظمة.
نزول القرآن في ليلة «القدر» و هي الليلة التي يقدر فيها مصير البشر و تعين
بها مقدراتهم، دليل آخر على الأهمية المصيرية لهذا الكتاب السماوي.
لو جمعنا بين هذه الآية و آية سورة البقرة لاستنتجنا أنّ «ليلة القدر» هي إحدى
ليالي شهر رمضان، و لكنّها أية ليلة؟ القرآن لا يبيّن لنا ذلك، و لكن الرّوايات
تتناول هذا الموضوع بإسهاب. و سنتناولها في نهاية تفسير هذه السّورة إن شاء اللّه.
و هنا يطرح سؤال له طابع تاريخي و له ارتباط بما رافق أحداث حياة النّبي صلّى
اللّه عليه و آله و سلّم من نزول القرآن. من المؤكّد أنّ القرآن الكريم نزل
تدريجيا خلال (23) عاما. فكيف نوفق بين هذا النزول التدريجي و ما جاء في الآيات
السابقة بشأن نزول القرآن في شهر رمضان و في ليلة القدر؟
الجواب على هذا السؤال كما ذكره المحققون يتلخص في أنّ للقرآن نزولين:
النزول الدفعي، و هو نزول القرآن بأجمعه على قلب النّبي صلّى اللّه عليه و آله
و سلّم أو على البيت المعمور، أو من اللوح المحفوظ إلى السماء الدنيا.
و النزول التدريجي، و هو ما تمّ خلال (23) سنة من عصر النبوّة (ذكرنا شرح ذلك
في تفسير الآية 3 من سورة الدخان).
و قال بعضهم إن ابتداء نزول القرآن كان في ليلة القدر لا كلّه، و لكن هذا خلاف
ظاهر الآية التي تقول: إِنَّا أَنْزَلْناهُ
فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ.
و يذكر أنّ تعبير الآيات عن نزول القرآن يكون مرّة بكلمة «إنزال» و مرّة أخرى
بكلمة «تنزيل». و يستفاد من كتب اللغة أن التنزيل للنزول التدريجي،