و هذه الدعوة الربّانية تقابل ما كان سائدا في عصور الجاهلية، كيف و كانوا
يتعاملون مع اليتامى، و لا تنفصل جاهلية اليوم عن تلك الجاهلية، فنرى من لم يدخل
الإيمان قلبه، كيف يتوسل بمختلف الحيل و الألاعيب لسرقة أموال اليتامى، و الأشد من
هذا فإنّهم يتركون اليتامى جانبا بلا اهتمام و لا رعاية ليعيشوا غمّ فقدان الآباء
و بأشدّ صورة! فإكرام اليتيم لا ينحصر بحفظ أموالهم- كما يقول البعض- بل يشمل حفظ
الأموال و غيرها.
«تحاضون»: من (الحض)، و هو الترغيب،
فلا يكفي إطعام المسكين بل يجب على النّاس أن يتواصوا و يحث بعضهم البعض الآخر على
ذلك لتعم هذه السنّة التربوية كلّ المجتمع [1].
و قد قرنت الآية (34) من سورة الحاقة عدم الإكرام بعدم الإيمان باللّه عزّ و
جلّ: إِنَّهُ كانَ لا يُؤْمِنُ بِاللَّهِ الْعَظِيمِ
وَ لا يَحُضُّ عَلى طَعامِ الْمِسْكِينِ[2].
و تعرض الآية التالية ثالث أعمالهم القبيحة: وَ تَأْكُلُونَ التُّراثَ أَكْلًا لَمًّا[3].
ممّا لا شكّ فيه أنّ الاستفادة من الميراث المشروع عمل غير مذموم، و لذا فيمكن
أن يكون المذموم في الآية أحد الأمور التالية:
الأوّل: الجمع بين حقّ الإنسان و حقّ الآخرين في الميراث، لأنّ كلمة «لمّ»
بمعنى الجمع، و فسّرها الزمخشري في الكشّاف بمعنى الجمع بين الحلال و الحرام.
و كانت عادة العرب في الجاهلية أن يحرموا النساء و الأطفال من الإرث لاعتقادهم
بأنّه نصيب المقاتلين (لأنّ أكثر أموالهم تأتيهم عن طريق السلب و الإغارة).
[1]- «تخاضون»: في الأصل (تتحاضون)، و
حذفت إحدى التائين للتخفيف.
[2]- «طعام» هو في الآية ذو معنى
مصدري أي: (إطعام).
[3]- «لمّ»: بمعنى الجمع، و تأتي
بمعنى الجمع مع الإصلاح أيضا.