و عليه .. فلا سبيل لقطع جذور المعاصي إلّا بإخراج حبّ الدنيا و عشقها من القلب.
ينبغي علينا أن ننظر إلى الدنيا بواقعية و عقلائية، فالدنيا ليست أكثر من
مرحلة انتقالية أو معبر أو مزرعة الآخرة، فما يبذر اليوم يحصد غدا، و لا بدّ
للإنسان أن العاقل ن يختار الطريق الذي يوصله إلى الهدف المنشود فيما إذا وقف بين
مفترق طريقين، واحد يؤدي للحصول على متاع الدنيا الزائل، و الآخر يوصل إلى نيل رضا
الباري سبحانه و تعالى.
و نظرة- و إن كانت سريعة- إلى ملفات الجرائم سترينا واقعية الحديث المذكور، و
إذا ما تأملنا في بواعثها الحقيقة، فسيتوضح الحديث أكثر فأكثر.
و لا تخرج علل الحروب و سفك الدماء (حتى بين الاخوة و الأصدقاء) عن هذا الإطار
المهلك (حبّ الدنيا).
فكيف النجاة، و كلنا أبناء هذه الدنيا و «لا يلام الولد على حبّه لامه» كما
جاء عن أمير المؤمنين عليه السّلام؟! إنّ زورق النجاة من تلاطم أمواج و هيجان حبّ
الدنيا لا يبنى إلّا بالتربية الفكرية و العقائدية، و من ثمّ تهذيب النفس و
مجاهدتها، بالإضافة إلى الإعتبار من عواقب عبدة الدنيا.
فما كانت عاقبة الفراعنة مع كلّ ما كان لهم من قوّة؟! و أين هو الآن قارون و
كنوزه التي لا يقدر مجموعة من الرجال على حمل مفاتيحها إلّا بشقّ الأنفس؟! و حتى
القوى المتسلطة في عصرنا المعاش، ليس لهم سوى فترة زمنية محدودة، فترى عروشها
تتهاوى، و هم بين فار و مختبئ في أقذر المكانات و بين من سيلفه التراب، لينتقل
بعدها إلى العالم الذي كان يكذّب وجوده .. أو ليس ذلك أفضل واعظ لنا؟!