و تدخل الآية في سياق الآية (114) من سورة طه: وَ لا تَعْجَلْ بِالْقُرْآنِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يُقْضى
إِلَيْكَ وَحْيُهُ وَ قُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْماً، و كذا الآية (16) من سورة القيامة:
لا تُحَرِّكْ بِهِ لِسانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ إِنَّ عَلَيْنا
جَمْعَهُ وَ قُرْآنَهُ تدخل في سياقهما.
و لإثبات قدرته سبحانه و تعالى، و أنّ كلّ خير منه، تقول الآية: إِلَّا ما شاءَ اللَّهُ إِنَّهُ يَعْلَمُ الْجَهْرَ وَ ما
يَخْفى.
و لا يعني هذا الاستثناء بأنّ النسيان قد أخذ من النبيّ صلّى اللّه عليه و آله
و سلّم وطرا، و إنّما هو لبيان أنّ قدرة حفظ الآيات هي موهبة منه سبحانه و تعالى،
و مشيئته هي الغالبة أبدا، و إلّا لتزعزعت الثقة في قول النبيّ صلّى اللّه عليه و
آله و سلّم.
و بعبارة اخرى، إنّما جاء الاستثناء لتبيان الفرق بين علم اللّه تعالى الذاتي،
و علم النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلّم المعطى له من بارئه.
و الآية تشبه إلى حد ما ما جاء في الآية (108) من سورة هود، بخصوص خلود أهل
الجنّة: وَ أَمَّا الَّذِينَ سُعِدُوا فَفِي
الْجَنَّةِ خالِدِينَ فِيها ما دامَتِ السَّماواتُ وَ الْأَرْضُ إِلَّا ما شاءَ
رَبُّكَ عَطاءً غَيْرَ مَجْذُوذٍ.
ف خالِدِينَ فِيها دليل على عدم خروج أهل الجنّة منها أبدا، فإذن .. عبارة إِلَّا ما شاءَ رَبُّكَ تكون إشارة إلى حاكمية الإرادة و القدرة الإلهية، و ارتباط كلّ شيء بمشيئته
جلّ و علا، سواء في بداية الوجود أم في البقاء.
و ممّا يشهد على ذلك أيضا .. أنّ حفظ بعض الأمور و نسيان اخرى تعتبر حالة
طبيعية بين بني آدم، و لكنّ اللّه تعالى ميزّ حبيبه المصطفى بأن جعل فيه ملكة حفظ
جميع آيات القرآن، و الأحكام و المعارف الإسلامية، حينما خاطبه ب: سَنُقْرِئُكَ فَلا تَنْسى.
و قيل: أريد بهذا الاستثناء تلك الآيات التي نسخ محتواها و نسخت تلاوتها أيضا.
و لكن لعدم ثبوت وجود هكذا آيات، فلا يمكننا الاعتماد على هذا القول