الثمار من الشجرة- أي القطف- و كذلك في قطع نفس الشجرة، إلّا أنّه استعمل فيما
بعد في القيام بكل عمل سيء، و ربّما كان سبب هذا الاستعمال هو أنّ هذه الأعمال
تفصل الإنسان عن ربّه و عن القيم الإنسانية، و تبعده عنهما.
لكن من المسلم هنا أنّه لا يريد كل المجرمين، و إنّما المراد هم المجرمون
الذين اتخذوا سبيل الكفر سبيلا لهم، بقرينة ذكر مسألة الخلود و العذاب الخالد، و
بقرينة المقارنة بالمؤمنين الذين مرّ الكلام عنهم في الآيات السابقة. و يبدو بعيدا
ما قاله بعض المفسّرين من أنها تشمل كل المجرمين.
و لما كان من الممكن أن يخفف العذاب الدائمي بمرور الزمان، و تقل شدته
تدريجيا، فإنّ الآية التالية تضيف: لا
يُفَتَّرُ عَنْهُمْ وَ هُمْ فِيهِ مُبْلِسُونَ، و على هذا فإنّ عذاب هؤلاء دائم من ناحيتي الزمان و الشدّة، لأنّ الفتور
يعني السكون بعد الحدة، و اللين بعد الشدة، و الضعف بعد القوّة كما يقول الراغب في
مفرداته.
«مبلس» من مادة «إبلاس»، و هي في
الأصل الحزن الذي يصيب الإنسان من شدة التأثر و الانزعاج، و لما كان هذا الهم و
الحزن يدعو الإنسان إلى السكوت، فقد استعملت مادة الإبلاس بمعنى السكوت و الامتناع
عن الجواب أيضا. و لما كان الإنسان ييأس من خلاص نفسه و نجاته في الشدائد العصيبة،
فقد استعملت هذه المادة في مورد اليأس أيضا، و لهذا المعنى سمي «إبليس» إبليس، إذ
أنّه آيس من رحمة اللَّه.
على أية حال، فإنّ هاتين الآيتين قد أكدتا على ثلاث مسائل: مسألة الخلود، و
عدم تخفيف العذاب، و الحزن و اليأس المطلق. و ما أشد العذاب الذي تمتزج فيه هذه
الأمور الثلاثة و تجتمع.
و تنبه الآية التالية إلى أنّ هؤلاء هم الذين أرادوا هذا العذاب الأليم، و
اشتروه بأعمالهم و بظلمهم لأنفسهم، فتقول: وَ
ما ظَلَمْناهُمْ وَ لكِنْ كانُوا هُمُ الظَّالِمِينَ.
فكما أن الآيات السابقة قد بينت أن منبع كل تلك النعم اللامتناهية هي أعمال