المؤمنين المتقين، فإن هذه الآيات تعد أعمال هؤلاء الظالمين سبب هذا العذاب
الخالد و منبعه. و أي ظلم أكبر من أن يكذّب الإنسان بآيات اللّه سبحانه، و يضرب
جذور سعادته بمعول الكفر و الافتراء: وَ مَنْ
أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرى عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ. [1] نعم، إن
القرآن يرى ارادة الإنسان و أعماله السبب الأساسي لكل سعادة أو شقاء، لا المسائل
الظنية و الوهمية التي اصطنعها البعض لأنفسهم.
ثمّ تطرقت الآية إلى بيان جانب من مذلة هؤلاء و مسكنتهم، فقالت، وَ نادَوْا يا مالِكُ لِيَقْضِ عَلَيْنا رَبُّكَ فمع أن كل امرئ يهرب من الموت و يريد استمرار الحياة و
بقاءها، إلّا أنّه عند ما تتوالى عليه المصائب أحيانا و يضيق عليه الخناق يتمنى
على اللّه الموت، و إذا كانت هذه الأمنية قد تحدث أحيانا لبعض الناس في الدنيا،
فانّها تعمّ جميع المجرمين هناك، فكلهم يتمنى الموت.
و لكن حيث لا فائدة من ذلك، فإنّ مالك النّار و خازنها يجيبهم: قالَ إِنَّكُمْ ماكِثُونَ[2].
و العجيب أنّ خازن النّار يجيبهم بعد ألف سنة- برأي بعض المفسّرين- و بكل
احتقار و عدم اهتمام، فما أشد إيلام هذا الاحتقار [3].
قد يقال: كيف يطلب هؤلاء مثل هذا الطلب مع يقينهم أن لا موت هناك؟ غير أن مثل
هذا الطلب طبيعي من إنسان أحاطت به المصائب و الآلام، و قطع أمله من كل شيء.
أجل، إنّ هؤلاء عند ما يرون كل سبل النجاة مغلقة في وجوههم، سيطلقون هذه
الصرخة من أعماق قلوبهم، و لكن حق القول عليهم بالعذاب، فلا فائدة من
[2]- «ماكثون» من مادة (مكث)، و هو في
الأصل التوقف المقترن بالانتظار، و ربّما كان هذا التعبير من مالك استهزاء، كما
تقول- أحيانا- لمن يطلب شيئا لا يستحقه انتظر!
[3]- مجمع البيان، ذيل الآيات مورد
البحث و قال البعض: إنّ المسافة بين السؤال و الجواب مائة سنة، و آخرون: أربعون
سنة، و مهما تكن فإنّها دليل على الاحتقار و عدم الاهتمام.