و قد نقل جمع آخر من علماء السنة، و كبائر علماء الشيعة هذه الحادثة في كتب
عديدة، تارة بدون ذكر الآية أعلاه، و أخرى مع ذكرها [1].
إنّ القرائن الموجودة في الآيات توحي بأن هذا الحديث المعروف من قبيل تطبيق
المصداق، لا أنه سبب النّزول، و بتعبير آخر: فإنّ سبب نزول الآية هو قصة عيسى و
قول المشركين و أصنامهم، لكن لما وقع لعلي عليه السّلام حادث شبيه لذاك بعد ذلك
القول التاريخي للنبي صلى اللَّه عليه و آله و سلّم، فإنّه صلى اللَّه عليه و آله
و سلّم تلا هذه الآية هنا ليبين أنّ هذا الحادث كان مصداقا لذاك من جهات مختلفة.
و لئلا يتوهموا أنّ اللَّه سبحانه محتاج لعبوديتهم، و أنّه يصر عليها، فإنّه
تعالى يقول في الآية التالية: وَ لَوْ
نَشاءُ لَجَعَلْنا مِنْكُمْ مَلائِكَةً فِي الْأَرْضِ يَخْلُفُونَ ملائكة تخضع لأوامر اللَّه، و لا تعرف عملا إلّا طاعته و
عبادته.
و اختار جمع من المفسّرين تفسيرا آخر للآية، يصبح معنى الآية على أساسه:
و لو نشاء لجعلنا أبناءكم ملائكة يخلفونكم في الأرض. بناء على هذا فلا تعجبوا
من أن يولد المسيح من دون أب، فإنّ اللَّه عزّ و جلّ قادر على أن يخلق ملكا من
الإنسان، و هو نوع يختلف عنه [2].
و لما كان تولد الملك من الإنسان لا يبدوا مناسبا، فقد فسّره بعض كبار
المفسّرين بولادة الأبناء الذين يتمتعون بصفات الملائكة، و قالوا: إنّ المراد: لا
تعجبوا من أن تكون لعبد كالمسيح القدرة على إحياء الموتى، و إبراء المرضى بإذن
اللَّه، و هو في الوقت نفسه عبد مخلص مطيع لأمر اللَّه، فإنّ اللَّه قادر على أن
يخلق
[1]- لمزيد الاطلاع راجعوا: كتاب
إحقاق الحق، المجلد 3، صفحة 398 و ما بعدها، تفسير نور الثقلين، المجلد 4، صفحة
609.
و ما بعدها، و تفسير مجمع البيان ذيل الآيات مورد البحث.
[2]- اختار التّفسير الأوّل، الطبرسي
في مجمع البيان، و الشيخ الطوسي في التبيان، و أبو الفتوح الرازي و آخرون.
أما التّفسير الثّاني فقد نقله القرطبي و الآلوسي في روح المعاني، و الزمخشري
في الكشاف، و المراغي، على أنه المعنى الوحيد للآية، أو أنّه أحد معنيين لها.