«المنة» كما بيّنا سابقا من مادة
«المن» و معناه الوزن الخاص الذي يوزن به، ثمّ استعمل هذا اللفظ على كلّ نعمة
غالية و ثمينة، و المنّة على نوعين: فإذا كان فيها جانب عملي كعطاء النعمة و الهبة
فهي ممدوحة، و منن اللَّه من هذا القبيل، و إذا كان فيها جانب لفظي، كمن كثير من
الناس بالقول بعد العمل، فهي قبيحة و غير محبوبة! الطريف أن صدر الآية يقول
«يمنّون عليك أن أسلموا» و هذا تأكيد آخر على أنّهم غير صادقين في إيمانهم.
و في ذيل الآية يأتي التعبير قائلا:
بَلِ اللَّهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ هَداكُمْ لِلْإِيمانِ إِنْ كُنْتُمْ
صادِقِينَ.
و على كلّ حال فهذه مسألة مهمّة أن يتصوّر قاصر و التفكير غالبا أنّهم بقبول
الإيمان و أداء العبادات و الطاعات يقدمون خدمة لساحة قدس اللَّه أو للنبي صلى
اللَّه عليه و آله و سلّم و أوصيائه، و لذلك فهم ينتظرون الثواب و الأجر.
في حين أنّه لو أشرق نور الإيمان في قلب أحد، و نال هذا التوفيق بأن كان في
زمرة المؤمنين، فقد شمله لطف عظيم من اللَّه عز و جل.
فالإيمان و قبل كلّ شيء يمنح الإنسان إدراكا جديدا عن عالم الوجود، و يكشف
عنه حجب الأنانية و الغرور، و يوسع عليه أفق نظرته، و يجسّد له عظمة خلقه في نظره!
انّه يلقي على عواطفه النور و الضياء و يربّيها و يحيي في نفسه القيم الإنسانية، و
ينمّي استعداداته العالية فيه، و يمنحه العلم و القوة و الشهامة و الإيثار و التضحية
و العفو و التسامح و الإخلاص، و يجعل منه إنسانا قويا ذا عطاء و ثمر بعد أن كان
موجودا ضعيفا.
إنّه يأخذ بيده و يصعد به في مدارج الكمال إلى قمة الفخر، و يجعله منسجما مع
عالم الوجود، و يسخّر عالم الوجود طوع أمره!