قطعيّ أيضا ... و هناك دلائل كثيرة في الآيات القرآنية أو الأحاديث الشريفة
على هذا المعنى و رغم أنّ هذا المعنى لم يثبت على أنّه قانون كلّي في جميع الحسنات
و السيئات، إلّا أنّه توجد دلائل نقلية في شأن بعض الحسنات و السيئات المهمّة و لا
يوجد دليل عقلي مخالف لها! [1].
و
قد ورد في رواية أنّه حين نزلت الآية آنفة
الذكر قال «ثابت بن قيس» خطيب النّبي الذي كان له صوت جهوري عال: أنا الذي رفعت
صوتي فوق صوت النّبي فحبطت أعمالي و أنا من أهل النّار ...
فبلغ ذلك سمع النّبي صلى اللّه عليه و آله و سلّم فقال: «هو من أهل الجنّة» [2].
لأنّه حين فعل ذلك للمؤمنين أو أمام المخالفين و كان ذلك أداء لوظيفة إسلامية.
كما أنّ ابن العباس بن عبد المطلب نادى بأمر النّبي الذين فرّوا في معركة
«حنين» بصوت عال ليعودوا إلى ساحات القتال! و في الآية الأخرى مزيد تأكيد على
الثواب الذي أعدّه اللّه لأولئك الذين يمتثلون أمر اللّه و يراعون الآداب عند رسول
اللّه فتقول: إِنَّ الَّذِينَ يَغُضُّونَ أَصْواتَهُمْ
عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ أُولئِكَ الَّذِينَ امْتَحَنَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ
لِلتَّقْوى لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَ أَجْرٌ عَظِيمٌ[3].
كلمة «يغضون» مشتقة من غضّ- على وزن حظّ- و معناها تقليل النظر أو خفات الصوت
و يقابل هذه الكلمة الإمعان بالنظر و الجهر بالصوت.
و كلمة «امتحن» مشتقة من الامتحان، و الأصل في استعمالها إذابة الذهب و تطهيره
من غير الخالص، كما أنّها تستعمل في بسط الجلد المعدّ للدّبغ، ثمّ
[1]- لمزيد الاطلاع بحثنا مسألة الحبط
في ذيل الآية (217) من سورة البقرة فليراجع.
[2]- يراجع مجمع البيان، ج 9، ص 130،
و قد ورد هذا الحديث بتفاوت في بعض الكلمات عند كثير من المفسّرين و لا سيما
البخاري في صحيحه و سيد قطب في ظلاله و غيرهما.
[3]- «اللام» في كلمة «التقوى» في
الحقيقة هي لام الغاية و ليست (لام العلّة) أي أنّ اللّه يجعل قلوب أولئك مهيّأة
للقبول و التقوى، لأنّ القلب إذا لم يخلص و لم يصف فلا يكون محلا للتقوى حقيقة.