و الجملة الأولى: لا تَرْفَعُوا
أَصْواتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِ إشارة
إلى أنّه لا ينبغي رفع الصوت على صوت النبي، فهو بنفسه نوع من الإساءة الأدبية في
محضره المبارك، و النّبي له مكانته. و هذا الأمر لا يجدر أن يقع أمام الأب و الأم
و الأستاذ لأنّه مخالف للاحترام و الأدب أيضا.
أمّا جملة: لا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ فيمكن أن تكون تأكيدا على المعنى المتقدّم في الجملة
الأولى، أو أنّها إشارة إلى مطلب آخر، و هو ترك مخاطبة النّبي صلى اللّه عليه و
آله و سلّم بالنداء «يا محمّد» و العدول عنه بالقول: «يا رسول اللّه»! ...
غير أنّ جماعة من المفسّرين قالوا في الفرق بين الجملتين آنفتي الذكر ما يلي:-
إنّ الجملة الأولى ناظرة إلى زمان يتحادث الناس فيه مع النبي، فلا ينبغي لأحد أن
يرفع صوته فوق صوت النّبي صلى اللّه عليه و آله و سلّم أمّا الجملة الثانية فناظرة
الى زمان يكون الرّسول فيه صامتا و أصحابه يحدّثونه، ففي هذه الحالة أيضا لا ينبغي
رفع الصوت عنده.
و الجمع بين هذه المعنى و المعنى السابق أيضا- لا مانع منه كما أنّه ينسجم مع
شأن نزول الآية، و على كلّ حال فظاهر الآية هو بيان أمرين مختلفين ...
و بديهي أنّ أمثال هذه الأعمال إن قصد بها الإساءة و الإهانة لشخص النّبي و
مقامه الكريم فذلك موجب للكفر، و إلّا فهو إيذاء له و فيه إثم أيضا ...
و في الصورة الأولى تتّضح علة الحبط و زوال الأعمال، لأنّ الكفر يحبط العمل و
يكون سببا في زوال ثواب العمل الصالح ...
و في الصورة الثانية أيضا، لا يمنع أن يكون مثل هذا العمل السيء باعثا على
زوال ثواب الكثير من الأعمال.
و قلنا سابقا في بحث الحبط أنّه لا مانع من زوال ثواب بعض الأعمال بسبب بعض الذنوب
الخاصة، كما أنّ زوال أثر بعض الذنوب بسبب الأعمال الصالحة