استعملت بعدئذ في مطلق الاختبار كما هي الحال بالنسبة للآية محل البحث، و
نتيجة ذلك خلوص القلب و بسطه لقبول التقوى ...
و ممّا يسترعي الانتباه أنّ الآية السابقة ورد فيها التعبير بالنبي، إلّا أنّ
هذه الآية ورد التعبير فيها عنه برسول اللّه، و كلتا الآيتين تشير إلى هذه
«اللطيفة»: و هي أنّ النّبي ليس عنده شيء من نفسه، بل هو رسول اللّه و نبيّه،
فإساءة الأدب إليه إساءة الأدب إلى اللّه و رعاية الأدب إليه رعاية للّه.
و نكّرت كلمة «مغفرة» للتعظيم و الأهمية ... أي أنّ اللّه يجعل نصيبهم المغفرة
الكبرى و التامة، و بعد تطهيرهم من الذنب يرزقهم الأجر العظيم، لأنّه لا بدّ من
التطهير من الذنب أولا، ثمّ الانتفاع من الأجر العظيم من قبل اللّه ...
أمّا الآية الأخرى فتشير إلى جهل أولئك الذين يجعلون أمر اللّه وراء ظهورهم، و
عدم إدراكهم فتقول: إِنَّ الَّذِينَ
يُنادُونَكَ مِنْ وَراءِ الْحُجُراتِ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْقِلُونَ.
فأي عقل يدفع الإنسان إلى أن ينادي برفيع صوته أمام أعظم سفير إلهي فلا يلتفت
الى آداب النداء كما فعلت قبيلة بني تميم فنادت النّبي بصوت مزعج يا محمّد يا
محمّد أخرج إلينا و هو مركز المحبّة و العطف الإلهي؟! و أساسا كلّما ترقّى عقل
الإنسان زيد في أدبه فيعرف القيم الأخلاقية بصورة أحسن و من هنا فإنّ إساءة الأدب
دليل على عدم العقل، أو بتعبير آخر إنّ إساءة الأدب عمل الحيوان، أمّا الأدب أو رعاية
الأدب فهو من عمل الإنسان ...
جملة أَكْثَرُهُمْ لا يَعْقِلُونَ «الأكثر» في لغة العرب يطلق أحيانا بمعنى الجميع، و إنّما
استعمل هذا اللفظ رعاية للاحتياط في الأدب حتى لو أنّ واحدا أستثني من الشمول لا
يضيع حقّه عند التعبير بالأكثر، فكأنّ اللّه يريد أن يقول: إنّي أنا اللّه الذي
أحطت بكلّ شيء علما، عند الكلام على مثل هذه الأمور أراعي الأدب في ذلك فعلام لا
تراعون في كلامكم هذه الناحية؟! أو لأنّه يوجد فيهم أناس يعقلون حقّا، و لعادة
الناس و عدم التفاتهم في رفع