محمّدا خطيبه أبلغ من خطيبنا و شاعره أجدر من شاعرنا و صدى صوته أبعد مدى من
صوتنا ...
فأمر النّبي صلى اللّه عليه و آله و سلّم أن تهدى لهم هدايا ليكتسب قلوبهم
إليه فكان أن تأثّروا بمثل هذه المسائل فاعترفوا بنبوّته! فالآيات محل البحث ناظرة
إلى هذه القضية و الأصوات من خلف الحجرات.
و هناك شأن آخر لنزول الآية بل هو يتعلّق بالآية الأولى و ما بعدها و هو أنّه
في السنة التاسعة للهجرة [حين كانت القبائل تفد على النّبي للسلام عليه أو
للمعاهدة معه] و قد عرف العام ذلك «بعام الوفود» و عند وصول ممثلي قبيلة تميم إلى
النّبي صلى اللّه عليه و آله و سلّم قال أبو بكر: ليكن «القعقاع» (أحد أشراف تلك
القبيلة) أميرها، و اقترح عمر أن يكون «الحابس بن أقرع» أميرها. فقال أبو بكر لعمر
أردت أن تخالفني، فردّ عليه عمر بأنّه لم يرد مخالفته أبدا، فتعالى الصياح و
الضجيج بينهما، فنزلت الآيات الآنفة ... أي لا تقترحوا في الأمور على النّبي شيئا
و لا تتقدّموا عليه في العمل و لا ترفعوا أصواتكم عند بيت النبي [1].
***
التّفسير
آداب الحضور عند النبي:
كما أشرنا آنفا أنّ في محتوى هذه السورة قسما من المباحث الأخلاقية المهمّة و
الأوامر و التعليمات الانضباطية التي تدعونا إلى تسمية هذه السورة بسورة الأخلاق،
و هذه المسائل و التعليمات تقع في الآيات الأوّل من السورة محل البحث- و الآيات
هذه على نحوين من التعليمات.
[1]- نقل ذلك القرطبي في تفسيره، ج 9،
ص 6121، و سيد قطب في ظلاله، ج 7، ص 524، و ابن هشام في سيرته ص 206 فما بعد (مع
شيء من التفاوت و الاختلاف) كما ورد في صحيح البخاري، ج 6، ص 172، في تفسيره سورة
الحجرات ..