قلنا أنّ «الحميّة» في الأصل من مادة «حمي» و معناها الحرارة، ثمّ صارت تستعمل
في معنى الغضب، ثمّ استعملت في النخوة و التعصّب الممزوج بالغضب أيضا ..
و هذه الكلمة قد تستعمل في هذا المعنى المذموم «مقرونة بالجاهلية أو بدونها»
بعض الأحيان، و قد تستعمل في المدح حينا آخر، فتكون عندئذ بمعنى التعصّب في الأمور
الإيجابية البنّاءة!
يقول الإمام أمير المؤمنين عليه السّلام حين انتقده بعض أصحابه الضعاف المعاندين:
«منيت بمن لا يطيع إذا أمرت و لا يجيب
إذا دعوت أما دين يجمعكم و لا حميّة تحشمكم» [1].
غير أنّ هذه الكلمة غالبا ما ترد في الذم كما
ذكرها الإمام علي عليه السّلام مرارا في خطبته القاصعة ذامّا بها إبليس أمام
المستكبرين: «صدّقه به أبناء الحمية و أخوان العصبية و
فرسان الكبر و الجاهلية» [2].
و في مكان آخر من هذه الخطبة يقول محذّرا من العصبيات الجاهلية:
«فأطفئوا ما كمن في قلوبكم من نيران
العصبية و أحقاد الجاهلية فإنّما تلك الحمية تكون في المسلم من خطرات الشيطان و
نخواته و نزعاته و نفثاته» [3].
و على كلّ حال فلا شكّ أنّ وجود مثل هذه الحالة في الفرد أو المجتمع باعث على
تخلّف ذلك المجتمع و تكبيل العقل و الفكر الإنساني و منعه من الإدراك الصحيح و
التشخيص السالم .. و ربّما تذر جميع مصالحه مع الرياح! ...