و قبلوا بالعودة إلى المدينة من الحديبيّة دون أن يستجيبوا لهوى عشقهم بالبيت
و يؤدّوا مناسك العمرة! و نحروا هديهم خلافا للسنّة التي في الحج أو العمرة في
المكان ذاته و أحلّوا من إحرامهم دون أداء المناسك! ..
أجل، لقد رضوا بمرارة أن يصبروا إزاء كلّ المشاكل الصعبة، و لو كانت فيهم
حميّة الجاهلية لكان واحد من هذه الأمور الآنفة كفيلا أن يشعل الحرب بينهم في تلك
الأرض! أجل .. إنّ الثقافة الجاهلية تدعو إلى «الحمية» و «التعصّب» و «الحفيظة
الجاهلية»، غير أنّ الثقافة الإسلامية تدعو إلى «السكينة» و «الاطمئنان» و «ضبط
النفس».
ثمّ يضيف القرآن في هذا الصدد قائلا: وَ
أَلْزَمَهُمْ كَلِمَةَ التَّقْوى وَ كانُوا أَحَقَّ بِها وَ أَهْلَها ..
(كلمة) هنا بمعنى «روح»، و معنى الآية
أنّ اللّه ألقى روح التقوى في قلوب أولئك المؤمنين و جعلها ملازمة لهم و معهم، كما
نقرأ- في هذا المعنى- أيضا الآية (171) من سورة النساء في شأن عيسى بن مريم إذ
تقول الآية: إِنَّمَا الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ
رَسُولُ اللَّهِ وَ كَلِمَتُهُ أَلْقاها إِلى مَرْيَمَ وَ رُوحٌ مِنْهُ.
و احتمل بعض المفسّرين أنّ المراد من «كلمة التقوى» ما أمر اللّه به المؤمنين
في هذا الصدد! إلّا أنّ المناسب هو «روح التقوى» التي تحمل مفهوما تكوينيا، و هي
وليدة الإيمان و السكينة و الالتزام القلبي بأوامر اللّه سبحانه، لذا ورد في بعض
الروايات عن النبيّ صلى اللّه عليه و آله و سلّم أنّ المراد بكلمة التقوى هو كلمة
لا إله إلّا اللّه [1]، و في رواية عن الإمام الصادق عليه السّلام أنّه فسّرها بالإيمان [2].