فارس و اليمامة، فهذا أبعد بكثير، لأنّ لحن الآيات مشعر بأنّ الحرب ستقع في
زمان النبيّ و لا يلزمنا أبدا أن نطبّق ذلك على الحروب التي حدثت بعده، و يظهر أنّ
للدوافع السياسية أثرا في بعض الأفكار المفسّرين في هذه القضية!.
و هنا ملاحظة جديرة بالتأمّل و هي أنّ النّبي صلى اللّه عليه و آله و سلّم لا
يعدهم بالقول أنّهم سيغنمون في الحروب و المعارك المقبلة، لأنّ الهدف من الجهاد
ليس كسب الغنائم بل المعوّل عليه هو ثواب اللّه العظيم و هو عادة إنّما يكون في
الدار الآخرة! و هنا ينقدح هذا السؤال، و هو أنّ الآية (83: من سورة التوبة تردّ
ردّا قاطعا على هؤلاء المخلّفين فتقول:
فَقُلْ لَنْ تَخْرُجُوا مَعِيَ أَبَداً وَ لَنْ تُقاتِلُوا مَعِيَ عَدُوًّا
إِنَّكُمْ رَضِيتُمْ بِالْقُعُودِ أَوَّلَ مَرَّةٍ فَاقْعُدُوا مَعَ الْخالِفِينَ.
في حين أنّ الآية محل البحث تدعوهم إلى الجهاد و القتال في ميدان صعب سَتُدْعَوْنَ إِلى قَوْمٍ أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ. فما وجه ذلك؟
و لكن مع الالتفات إلى الآية (83) في سورة التوبة تتعلق بالمخلّفين في معركة
تبوك الذين قطع النّبي الأمل منهم، أمّا الآية محل البحث فتتحدّث عن المخلّفين عن
الحديبيّة، و ما يزال النّبي يأمل فيهم المشاركة، فيتّضح الجواب على هذا الاشكال!.
و حيث أنّ من بين المخلّفين ذوي أعذار لنقص عضوي في أبدانهم أو لمرض و ما الى
ذلك فلم يقدروا على الاشتراك في الجهاد، و لا ينبغي أن نجحد حقهم، فإنّ الآية
الأخيرة من الآيات محلّ البحث تبيّن أعذارهم و خاصّة أنّ بعض المفسّرين قالوا إنّ
جماعة من المعوّقين جاؤوا إلى النّبي بعد نزول الآية و تهديدها للمخلّفين بقولها يُعَذِّبْكُمْ عَذاباً أَلِيماً، فقالوا: يا رسول اللّه ما هي مسئوليتنا في هذا الموقع؟
فنزل قوله تعالى: لَيْسَ عَلَى
الْأَعْمى حَرَجٌ وَ لا عَلَى الْأَعْرَجِ حَرَجٌ وَ لا عَلَى الْمَرِيضِ حَرَجٌ.
و ليس الجهاد وحده مشروطا بالقدرة، فجميع التكاليف الإلهيّة هي سلسلة من