و لا يخفى أنّ لعن اللّه تعالى لهؤلاء القوم، و طردهم من رحمته، و كذلك سلبهم
القدرة على إدراك الحقائق، لا يستلزم الجبر، لأنّ ذلك جزاء أعمالهم، وردّ فعل
لسلوكهم و أفعالهم.
و تناول آخر آية من هذه الآيات ذكر العلة الحقيقية لانحراف هؤلاء القوم التعساء،
فقالت: أَ فَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ
عَلى قُلُوبٍ أَقْفالُها؟
نعم، إنّ عامل مسكنة هؤلاء و ضياعهم أحد اثنين: إمّا أنّهم لا يتدبّرون في
القرآن، برنامج الهداية الإلهية، و الوصفة الطبية الشافية تماما، أو أنّهم
يتدبّرونه، إلّا أنّ قلوبهم مقفلة نتيجة اتباع الهوى و الأعمال التي قاموا بها من
قبل، و هي مقفلة بشكل لا تنفذ معه أي حقيقة إلى قلوبهم.
و بتعبير آخر، فإنّهم كرجل ضلّ طريقه في الظلمات، فلا سراج في يده، و لا هو
يبصر إذ هو أعمى، فلو كان معه سراج، و كان مبصرا، فإنّ الاهتداء إلى الطريق في أي
مكان سهل و يسير.
«الأقفال» جمع قفل، و هي في الأصل من
مادة القفول أي الرجوع، أو من القفيل، أي الأشياء اليابسة، و لمّا كان المتعارف
أنّهم إذا أغلقوا الباب و قفلوها بقفل، فكلّ من يأت يقفل راجعا، و كذلك لمّا كان
القفل شيئا صلبا لا ينفذ فيه شيء، لذا فقد أطلقت هذه الكلمة على هذه الآلة
الخاصة.
***
بحث
القرآن كتاب فكر و عمل:
تؤكّد آيات القرآن المختلفة على حقيقة أنّ هذا الكتاب السماوي العظيم ليس
للتلاوة و حسب، بل إنّ الهدف النهائي منه هو الذكر، و التدبّر في عواقب الأمور و
الإنذار، و إخراج البشر من الظلمات، و الشفاء و الرحمة و الهداية.