رؤوسهم في الدنيا، و يمنحهم العزّة و الفخر، و يؤدّي إلى أن ينالوا الثواب
الجزيل، و الأجر الكبير، و الفوز العظيم في الآخرة.
و جملة عَزَمَ الْأَمْرُ تشير في الأساس إلى استحكام العمل، إلّا أنّ المراد منها هنا الجهاد، بقرينة
الآيات التي سبقتها و التي تليها.
و تضيف الآية التالية: فَهَلْ
عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَ تُقَطِّعُوا
أَرْحامَكُمْ[1] لأنّكم
إن أعرضتم عن القرآن و التوحيد، فإنّكم سترجعون إلى جاهليّتكم حتما، و لم يكن في
الجاهلية إلّا الفساد في الأرض، و الإغارة و القتل و سفك الدماء، و قطيعة الرحم، و
وأد البنات. هذا إذا كانت «توليّتم» من مادة «تولّي» بمعنى الإعراض.
غير أنّ كثيرا من المفسّرين احتمل أن تكون من مادة «ولاية»، أي: الحكومة،
فيكون المعنى: إنّكم إذا توليّتم زمام السلطة فلا يتوقع منكم إلّا الضلال و الفساد
و سفك الدماء و قطيعة الرحم.
و كأنّ جمعا من المنافقين قد اعتذر من أجل أن يفرّ من ميدان الجهاد بأنّا كيف
نطأ ساحة الحرب و نقتل أرحامنا و نسفك دماءهم، و عندها سنكون من المفسدين في
الأرض؟
فيجيبهم القرآن قائلا: ألم تقتلوا أرحامكم و تسفكوا دماءهم، و لم يظهر منكم
إلّا الفساد في الأرض يوم كانت الحكومة بأيديكم؟ إن هذا إلّا تذرّع و تهرّب، فإنّ
الهدف من الحرب في الإسلام هو إخماد نار الفتنة، لا الفساد في الأرض، و الهدف
اقتلاع جذور الظلم و إزالته من الوجود، لا قطع الرحم.
و قد ورد في بعض الروايات الواردة عن أهل البيت عليهم السّلام أنّ هذه الآية
في بني
[1]- بالرغم من أنّ القليل من
المفسّرين قد بحث في تركيب هذه الآية، لكن يبدو أنّ (إن توليّتم) جملة شرطية وقعت
بين اسم «عسى» و خبرها، و جزاء إن الشرطية مجموع جملة (فهل عسيتم أن تفسدوا في
الأرض)، و التقدير: إن توليّتم عن كتاب اللّه فهل يترقب منكم إلّا الفساد في
الأرض؟