السكارى و
المغرورين، لأنّ (المترف) من مادة (الترفّه) أي كثرة النعمة، و لما كان كثير من
المنعمين يغرقون في الشهوات و الأهواء، فإنّ كلمة «المترف» تعني من طغى بالنعمة و
غرق في سكرتها و أصبح مغرورا [1]، و مصداق
ذلك- على الأغلب- الملوك و الجبابرة و الأثرياء المستكبرون و الأنانيون.
نعم، هؤلاء هم
الذين تتعرض مصالحهم و أنانيّاتهم للفناء بثورة الأنبياء، و يحدق الخطر بمنافعهم و
ثرواتهم اللامشروعة، و يتحرّر المستضعفون من مخالبهم، و لهذا كانوا يسعون إلى
تخدير الناس و إبقائهم جهلاء بمختلف الأساليب و الحيل. و أغلب فساد الدنيا ينبع من
هؤلاء المترفين الذين يتواجدون في أماكن الظلم و التعدي و المعصية و الفساد و
الرذيلة.
و جدير
بالذكر، أنّنا قرأنا في الآية السابقة أن هؤلاء كانوا يقولون:
إِنَّا عَلى آثارِهِمْ مُهْتَدُونَ و هنا يذكر القرآن أنّهم
يقولون: وَ إِنَّا عَلى آثارِهِمْ مُقْتَدُونَ
و بالرغم من أن التعبيرين يعودان إلى معنى واحد في الحقيقة، إلّا أنّ التعبير
الأوّل إشارة إلى دعوى أحقيّة مذهب الآباء، و التعبير الثّاني إشارة إلى إصرار
هؤلاء.
و ثباتهم على
اتباع الآباء و الاقتداء بهم.
و على أية
حال فإنّ هذه الآية نوع من التسلية لخاطر النّبي الأكرم صلى اللَّه عليه و آله و
سلّم و المؤمنين ليعلموا أن ذرائع المشركين و استدلالاتهم هذه ليست بالشيء
الجديد، إذ أنّ هذا الطريق سلكه كل المنحرفين الضالين على مر التأريخ.
و تبيّن
الآية التالية جواب الأنبياء السابقين على حجج هؤلاء المشركين و المنحرفين بوضوح
تام، فتقول: قالَ أَ وَ لَوْ جِئْتُكُمْ بِأَهْدى مِمَّا وَجَدْتُمْ
عَلَيْهِ آباءَكُمْ[2]؟
[1]- تقرأ في لسان العرب: أترفته النعمة، أي:
أطغته.
[2]- لهذه الجملة محذوف تقديره: أتتبعون آباءكم
و لو جئتكم بدين أهدى من دين آبائكم. تفسير الكشاف المراغي، القرطبي، و روح
المعاني.