هذا التعبير
هو أكثر التعابير المؤدبة الممكن طرحها أمام قوم عنيدين مغرورين، و لا يجرح
عواطفهم أو يمسها مطلقا، فهو لا يقول: إن ما تقولونه كذب و خرافة، بل يقول: إنّ ما
جئت به أهدى من دين آبائكم، فتعالوا و انظروا فيه و طالعوه.
إنّ مثل هذه
التعبيرات القرآنية تعلمنا آداب المحاورة و المجادلة و خاصّة أمام الجاهلين
المغرورين.
و مع كل ذلك،
فإنّ هؤلاء كانوا غرقى الجهل و التعصب و العناد بحيث لم يؤثّر فيهم حتى هذا المقال
المؤدب الرقيق، فكانوا يجيبون أنبياءهم بجواب واحد فقط:
قالُوا
إِنَّا بِما أُرْسِلْتُمْ بِهِ كافِرُونَ دون أن
يأتوا بأيّ دليل على مخالفتهم، و دون أن يتأملوا في الاقتراح المعقول المتين
لأنبياء اللَّه و رسله.
من البديهي
أنّ مثل هؤلاء الأقوام الطاغين المعاندين، لا يستحقون البقاء، و ليست لهم أهليّة
الحياة، و لا بدّ أن ينزل عذاب اللَّه ليقتلع هذه الأشواك من الطريق و يطهره منها،
و لذلك فإنّ آخر آية- من هذه الآيات- تقول:
فَانْتَقَمْنا مِنْهُمْ فبعضهم بالطوفان، و آخرون بالزلزلة
المدمرة، و جماعة بالعاصفة و الصاعقة، و خلاصة القول: إنّا دمّرنا كل فئة منهم
بأمر صارم فأهلكناهم.
و أخيرا وجهت
الآية الخطاب إلى النّبي صلى اللَّه عليه و آله و سلّم من أجل أن يعتبر مشركو مكّة
أيضا، فقالت: فَانْظُرْ كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ
فعلى مشركي مكّة المعاندين أن يتوقعوا مثل هذا المصير المشؤوم.