و إذا كان هؤلاء يتنفّرون من هذه الأمور، فمن الطبيعي أن لا يخطوا خطوة في هذا
المسير، و لقد كانت كلّ مساعيهم و جهودهم في مسير الباطل و خدمته، فمن الطبيعي
أيضا أن تحبط كلّ هذه الأعمال.
و جاء في حديث عن الإمام الباقر عليه السّلام: «كرهوا ما أنزل اللّه في حق
علي» [2].
و معلوم أنّ التعبير ما أَنْزَلَ اللَّهُ معنى واسعا، و مسألة ولاية أمير المؤمنين علي عليه السّلام
أحد مصاديقه الواضحة، لا أنّ معناه منحصر فيها.
و لمّا كان القرآن الكريم في كثير من الموارد يعرض للظالمين العاصين نماذج
محسوسة، فقد دعاهم هنا أيضا إلى التدبّر في أحوال الماضين، فقال: أَ فَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ
كانَ عاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ دَمَّرَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ؟
و من أجل أن لا يظنّ هؤلاء أنّ ذلك المصير المشؤوم كان مختصّا بالأقوام
الطاغين الماضين، فقد أضافت الآية: وَ
لِلْكافِرِينَ أَمْثالُها[3].
فلا يظنّوا أنّهم في منأى من العقاب المشابه لذلك العقاب إن هم عملوا أعمالا
تشابه أعمال الماضين، فليسيروا في الأرض و لينظروا آثار الذين من قبلهم، ثمّ
لينظروا مستقبلهم من خلال سنن التأريخ.
و الجدير بالانتباه أنّ (دمّر) من مادة (تدمير)، و هي من الأصل بمعنى الإهلاك
و الإفناء، أمّا إذا أتت مع (على) فإنّها تعني إهلاك كلّ شيء حتى الأولاد و الأهل
و العشيرة و الأموال الخاصّة بالإنسان [4]. و على هذا فإنّ هذا التعبير بيان لمصيبة أليمة، خاصة
بملاحظة لفظ (على) الذي يستعمل عادة في مورد التسلط، و بذلك يصبح معنى الجملة، إنّ
اللّه عزّ و جلّ قد صبّ عذابه على رؤوس هؤلاء الأقوام