و لمّا كانت حشود العدو العظيمة، و أنواع معداتهم و تجهيزاتهم قد تشغل فكر
المجاهدين في سبيل اللّه أحيانا، فإنّ الآية التالية تضيف: وَ الَّذِينَ كَفَرُوا فَتَعْساً لَهُمْ وَ أَضَلَّ
أَعْمالَهُمْ[1].
«تعس»- على وزن نحس- بمعنى الانزلاق و
الهوي، و ما فسّره البعض بأنّه الهلاك و الانحطاط، فهو لازمه في الواقع لا معناه.
و على كلّ حال، فإنّ المقارنة بين هذين الفريقين عميقة المعنى جدّا، فالقرآن
يقول في شأن المؤمنين يُثَبِّتْ
أَقْدامَكُمْ و في شأن الكافرين أَضَلَّ أَعْمالَهُمْ.
و بصيغة اللعنة، ليكون التعبير أبلغ و أكثر جاذبية و تأثيرا.
نعم، إنّ الكافرين إذا انزلقوا و زلّت أقدامهم، فليس هناك من يأخذ بأيديهم
لينقذهم من الهلكة، بل إنّهم سينحدرون إلى الهاوية سريعا و بسهولة، أمّا المؤمنون،
فإنّ الملائكة الرحمة تهب لنجدتهم و نصرتهم، و يحفظونهم من المنزلقات و المنحدرات،
كما نقرأ ذلك في موضع آخر، حيث تقول الآية (30) من سورة فصلت: إِنَّ الَّذِينَ قالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ
اسْتَقامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلائِكَةُ.
إنّ أعمال المؤمنين مباركة، أمّا أعمال الكافرين فإنّها بائرة و لذلك فهي تزول
و تفنى سريعا.
و تبيّن الآية التالية علّة سقوط هؤلاء، و جعل أعمالهم هباء منثورا، فتقول:
ذلِكَ بِأَنَّهُمْ كَرِهُوا ما أَنْزَلَ اللَّهُ فَأَحْبَطَ
أَعْمالَهُمْ.
لقد أنزل اللّه سبحانه دين التوحيد قبل كلّ شيء، إلّا أن هؤلاء نبذوه وراء
ظهورهم و أقبلوا نحو الشرك.
لقد أمر اللّه سبحانه بالحق و العدالة، و العفّة و التقوى، غير أنّهم أعرضوا
عنها جميعا، و اتجهوا صوب الظلم و الفسّاد، بل إنّهم تشمئز قلوبهم إذا ذكر اسم
اللّه تعالى
[1]- «تعسا» مفعول مطلق لفعل مقدّر، و
التقدير: تعسهم تعسا، و جملة (أضلّ أعمالهم) عطف على هذا الفعل المقدّر، و كلاهما
بصيغة اللعنة، مثل (قاتلهم اللّه)، و من الواضح أنّ اللعنة من قبل اللّه تعني
وقوعها.