و أشارت آخر
آية- من هذه الآيات- إلى ذريعتهم الأصلية، و هي في الواقع خرافة لا أكثر، أصبحت
أساسا لخرافة أخرى، فتقول: بَلْ قالُوا إِنَّا وَجَدْنا
آباءَنا عَلى أُمَّةٍ وَ إِنَّا عَلى آثارِهِمْ مُهْتَدُونَ.
لم يكن
لهؤلاء دليل إلّا التقليد الأعمى للآباء و الأجداد، و العجيب أنّهم كانوا يظنون
أنّهم مهتدون بهذا التقليد، في حين لا يستطيع أي إنسان عاقل حر أن يستند إلى
التقليد في المسائل العقائدية و الأساسية التي يقوم عليها بناؤه الفكري، خاصة إذا
كان التقليد تقليد «جاهل لجاهل»، لأنا نعلم أن آباء أولئك المشركين لم يكن لهم
أدنى حظ من العلم، و كانت أدمغتهم مليئة بالخرافات و الأوهام، و كان الجهل حاكما
على أفكارهم و مجتمعاتهم، كما توضح ذلك الاية (170) من سورة البقرة:
أَ وَ
لَوْ كانَ آباؤُهُمْ لا يَعْقِلُونَ شَيْئاً وَ لا يَهْتَدُونَ؟
التقليد يصحّ
في المسائل الفرعية و غير الأساسية فقط، و أيضا يجب أن يكون تقليدا لعالم، أي رجوع
الجاهل إلى العالم، كما يرجع المريض إلى الطبيب، و غير المتخصصين إلى أصحاب
الإختصاص، و بناء على هذا فإنّ تقليد هؤلاء كان باطلا بدليلين.
لفظة
«الأمّة» تطلق- كما يقول الراغب في المفردات- على الجماعة التي تربط بعضها مع
البعض الآخر روابط، إمّا من جهة الدين، أو وحدة المكان، أو الزمان، سواء كانت حلقة
الاتصال تلك اختيارية أم إجباريّة. و من هنا استعملت هذه الكلمة أحيانا بمعنى
المذهب، كما هو الحال في الآية مورد البحث، إلّا أن معناها الأصلي هو الجماعة و
القوم، و إطلاق هذه الكلمة على الدين يحتاج إلى قرينة [1].
***
______________________________
(1)- في جملة إِنَّا
عَلى آثارِهِمْ مُهْتَدُونَ مهتدون خبر (إن) و «على آثارهم»
متعلق به، و أمّا ما احتمله البعض من أن «على آثارهم» خبر أوّل، و (مهتدون) خبر
ثان، فيبدو بعيدا عن الصواب.