و خلاصة القول: إنّ اللّه سبحانه غني عن سعينا و جهادنا من أجل تثبيت دعائم
دينه، بل نحن الذين نتربّى في ميدان جهاد الأعداء، و نحن الذين نحتاج إلى هذا
الجهاد المقدّس.
و قد ذكر هذا المعنى في آيات القرآن الأخرى بصيغ أخرى، فنقرأ في الآية (142)
من سورة آل عمران: أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا
الْجَنَّةَ وَ لَمَّا يَعْلَمِ اللَّهُ الَّذِينَ جاهَدُوا مِنْكُمْ وَ يَعْلَمَ
الصَّابِرِينَ.
و جاء في الآية التي سبقتها: وَ
لِيُمَحِّصَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَ يَمْحَقَ الْكافِرِينَ.
و تحدّثت آخر جملة من الآية مورد البحث عن الشهداء الذين قدّموا أرواحهم هدية
لدينهم في هذه الحروب، و لهم فضل كبير على المجتمع الإسلامي، فقالت:
فلن تذهب جهودهم و آلامهم و تضحياتهم سدى، بل كلها محفوظة عند اللّه سبحانه،
فستبقى آثار تضحياتهم في هذه الدنيا، و كلّ نداء (لا إله إلّا اللّه) يطرق سمع
البشر يمثل ثمرة جهود أولئك الشهداء، و كلّ سجدة يسجدها مسلم بين يدي اللّه هي من
بركات تضحياتهم، فبمساعيهم تحطّمت قيود المذلّة و العبودية، و عزّة المسلمين و
رفعتهم رهينة ما بذلوه من الأرواح و التضحيات.
ه هي أحدى مواهب اللّه في شأن الشهداء.
و هناك ثلاث مواهب أخرى أضيفت في الآيات التالية:
تقول الآية أوّلا: سَيَهْدِيهِمْ إلى المقامات السامية، و الفوز العظيم، و رضوان اللّه
تعالى.
و الأخرى: يُصْلِحُ بالَهُمْ فيهبهم هدوء الروح، و اطمئنان الخاطر، و النشاط المعنوي و الروحي، و الانسجام
مع صفاء ملائكة اللّه و معنوياتهم، حيث يجعلهم جلساءهم و ندماءهم في مجالس أنسهم و
لذّتهم، و يدعوهم إلى ضيافته في جوار