خطر العدو غير ممكن أحيانا إلّا بكثرة القتل فيه، فيمكن أن تكون مسألة القتل
أحد مصاديق هذه الجملة في مثل هذه الظروف، لا أنّها معناها الأصلي [1].
و على كلّ حال، فإنّ الآية المذكورة تبيّن تعليما عسكريا دقيقا، و هو أنّه يجب
أن لا يقدم على أسر الأسرى قبل تحطيم صفوف العدو و القضاء على آخر حصن لمقاومته،
لأنّ الإقدام على الأسر قد يكون سببا في تزلزل وضع المسلمين في الحرب، و سيعوق
المسلمين الاهتمام بأمر الأسرى و نقلهم إلى خلف الجبهات عن أداء واجبهم الأساسي.
و عبارة فَشُدُّوا الْوَثاقَ و بملاحظة أنّ الوثاق هو الحبل، أو كلّ ما يربط به، يشير
الى إتقان العمل في شدّ وثاق الأسرى، لئلا يستغل الأسير فرصة يفر فيها، ثمّ يوجّه
ضربة إلى الإسلام و المسلمين.
و تبيّن الجملة التالية حكم أسرى الحرب الذي يجب أن يقام بحقّهم بعد انتهاء
الحرب، فتقول: فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَ إِمَّا فِداءً و على هذا لا يمكن قتل الأسير الحربي بعد انتهاء الحرب، بل
إنّ ولي أمر المسلمين- طبقا للمصلحة التي يراها- يطلق سراحهم مقابل عوض أحيانا، و
بلا عوض أحيانا أخرى، و هذا العوض- في الحقيقة- نوع من الغرامة الحربية التي يجب
أن يدفعها العدو.
طبعا يوجد حكم ثالث في الإسلام فيما يتعلق بهذا الموضوع، و هو استعباد الأسرى،
إلّا أنّه ليس أمرا واجبا، بل هو راجع إلى ولي أمر المسلمين ينفّذه عند ما يراه
ضرورة في ظروف خاصة، و لعلّه لم يرد في القرآن بصراحة لهذا السبب، بل بيّنته
الرّوايات الإسلامية فقط.
يقول فقيهنا المعروف «الفاضل المقداد» في «كنز العرفان»: إنّ ما روي عن مذهب
أهل البيت عليهم السّلام أنّ الأسير لو أسر بعد انتهاء الحرب فإنّ إمام المسلمين
مخيّر بين ثلاث: إمّا إطلاقه دون شرط، أو تحريره مقابل أخذ الفدية، أو جعله
[1]- ينقل صاحب لسان العرب عن ابن
الأعرابي أنّ: أثخن: إذا غلب و قهر.