من البديهي أن «ضرب الرقاب» كناية عن القتل، و على هذا فلا ضرورة لأن يبذل
المقاتلون قصارى جهدهم لأداء هذا الأمر بالخصوص، فإنّ الهدف هو دحر العدو و القضاء
عليه، و لما كان ضرب الرقاب أوضح مصداق له، فقد أكّدت الآية عليه.
و على أية حال، فإنّ هذا الحكم مرتبط بساحة القتال، لأنّ «لقيتم»- من مادة
اللقاء- تعني الحرب و القتال في مثل هذه الموارد، و في نفس هذه الآية قرائن عديدة
تشهد لهذا المعنى كمسألة أسر الأسرى، و لفظة الحرب، و الشهادة في سبيل اللّه، و
التي وردت في ذيل الآية.
و خلاصة القول: إنّ اللقاء يستعمل- أحيانا- بمعنى اللقاء بأي شكل كان، و
أحيانا بمعنى المواجهة و المجابهة في ميدان الحرب، و استعمل في القرآن المجيد بكلا
المعنيين، و الآية مورد البحث ناظرة إلى المعنى الثّاني.
و من هنا يتّضح أنّ أولئك الذين حوّروا هذه الآية و فسّروها بأنّ الإسلام
يقول:
حيثما وجدتم كافرا فاقتلوه، لم يريدوا إلّا الإساءة إلى الإسلام، و اتخاذ
الآية بمعناها المحرّف حربة ضد الدين الحنيف، محاولة منهم لتشويه صورة الإسلام
الناصعة، و إلّا فإنّ الآية صريحة في اللقاء في ساحة الحرب و ميدان القتال.
من البديهي أنّ الإنسان إذا واجه عدوا شرسا في ميدان القتال، و لم يقابله بحزم
و لم يكل له الضربات القاصمة و لم يذقه حرّ سيفه ليهلكه، فإنّه هو الذي سيهلك، و
هذا القانون منطقي تماما.
«أثخنتموهم» من مادة ثخن، بمعنى
الغلظة و الصلابة، و لهذا تطلق على النصر و الغلبة الواضحة، و السيطرة الكاملة على
العدو.
و بالرغم من أنّ أغلب المفسّرين فسّروا هذه الجملة بكثرة القتل في العدو و
شدّته، إلّا أنّ هذا المعنى لا يوجد في أصلها اللغوي، كما قلنا، و لكن لمّا كان
دفع