إنّ ذكر الإيمان بما نزل على نبيّ الإسلام صلى اللّه عليه و آله و سلّم بعد
ذكر الإيمان بصورة مطلقة، تأكيد على تعليمات هذا النّبي العظيم و مناهجه، و هو من
قبيل ذكر الخاص بعد العام، و تبيان لحقيقة أنّ الإيمان باللّه سبحانه لا يتمّ أبدا
بدون الإيمان بما نزل على النّبي صلى اللّه عليه و آله و سلّم.
و يحتمل أيضا أن تكون الجملة الأولى إشارة إلى الإيمان باللّه تعالى، و لها
جانب عقائدي، و هذه الجملة إشارة إلى الإيمان بمحتوى الإسلام و تعليمات النّبي صلى
اللّه عليه و آله و سلّم، و لها الجانب العملي.
و بتعبير آخر، فإنّ الإيمان باللّه سبحانه لا يكفي وحده، بل يجب أن يؤمنوا بما
نزل على النّبي صلى اللّه عليه و آله و سلّم، و أن يكون لهم إيمان بالقرآن، إيمان
بالجهاد، إيمان بالصلاة و الصوم، و إيمان بالقيم الأخلاقية التي نزلت عليه. ذلك
الإيمان الذي يكون مبدأ للحركة، و تأكيدا على العمل الصالح.
و ممّا يستحق الانتباه أنّ الآية تقول بعد ذكر هذه الجملة: وَ هُوَ الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ و هي تعني أنّ إيمانهم لم يكن تقليدا، أو أنّه لم يقم على دليل و حجة، بل
إنّهم آمنوا بعد أن رأوا الحق فيه.
و عبارة مِنْ رَبِّهِمْ تأكيد على حقيقة أنّ الحق يأتي دائما من قبل اللّه سبحانه، فهو يصدر منه، و
يعود إليه.
و الجدير بالالتفات إليه أنّ الآية تبيّن ثوابين للمؤمنين الذين يعملون
الصالحات، في مقابل العقابين اللذين ذكرا للكفار الصادين عن سبيل اللّه: أو لهما:
التكفير عن السيئات التي لا يخلو منها أي إنسان غير معصوم، و الثاني: إصلاح
البال.
لقد جاء «البال» بمعان مختلفة، فجاء بمعنى الحال، العمل، القلب، و على قول
[1]- اعتبر جماعة من المفسّرين جملة
(و هو الحق من ربّهم) جملة معترضة.