إنّ التعبير ب (صرفنا)- من مادة صرف، يعني نقل الشيء و تبديله من حالة إلى
اخرى- و لعله إشارة إلى أنّ الجن كانوا يصغون إلى أخبار السماء عن طريق استراق
السمع، و مع ظهور نبيّ الإسلام صلى اللّه عليه و آله و سلّم رجعوا إليه و اتّجهوا نحو
القرآن.
و «النفر» كما يقول الراغب في مفرداته- عدّة رجال يمكنهم النفر، و المشهور بين
أرباب اللغة أنّه الجماعة من الثلاثة إلى العشرة، و أوصلها البعض إلى الأربعين.
ثمّ تضيف الآية: فَلَمَّا حَضَرُوهُ
قالُوا أَنْصِتُوا و ذلك حينما كان النّبي صلى اللّه عليه و آله
و سلّم يتلو آيات القرآن في جوف الليل، أو في صلاة الصبح.
«انصتوا» من مادة إنصات، و هو السكوت
مع الاستماع و الانتباه.
و أخيرا أضاء نور الإيمان قلوب هؤلاء، فلمسوا في أعماقهم كون آيات القرآن حقا،
و لذلك: فَلَمَّا قُضِيَ وَلَّوْا إِلى
قَوْمِهِمْ مُنْذِرِينَ و هذا دأب المؤمنين دائما،
في أن يطلعوا الآخرين على الحقائق التي اطلعوا عليها، و يدلوهم على مصادر إيمانهم
و منابعه الفياضة.
و تبيّن الآية التالية كيفية دعوة هؤلاء قومهم عند عودتهم إليهم، تلك الدعوة
المتناسقة الدقيقة، الوجيزة و العميقة المعنى: قالُوا يا قَوْمَنا إِنَّا سَمِعْنا كِتاباً أُنْزِلَ مِنْ
بَعْدِ مُوسى.
و من صفاته أنّا رأيناه يصدق الكتب السماوية السالفة و يتطابق معها في
محتواها، و فيه العلائم الواردة في تلك الكتب: مُصَدِّقاً لِما بَيْنَ يَدَيْهِ[1].
و صفته الأخرى أنّه: يَهْدِي إِلَى الْحَقِ بحيث أنّ كلّ من يستند إلى عقله و فطرته يرى آيات حقانيته
واضحة جلية.
[1]- لقد أوردنا تفسير هذه الجملة
مفصلا في ذيل الآية 41 من سورة البقرة.