الأنبياء بالسخرية و الاستهزاء، لم ينفذ نور الحق إلى قلوبهم، و هذا الكبر و
الغرور و العداء للحق هو الذي أدى إلى أنّ لا يستفيدوا و لا يستخدموا وسائل
الهداية و المعرفة كالعين و الأذن و العقل، ليجدوا طريق النجاة و يسلكوه، فكانت
عاقبتهم أن ابتلوا بذلك المصير المشؤوم الذي أشارت إليه الآيات السابقة.
فإذا كان أولئك القوم قد عجزوا عن القيام بأي عمل مع كلّ تلك القدرات و
الإمكانيات التي كانوا يمتلكونها، و أصبحت جثثهم الهامدة، كالريشة في مهب الرياح
تتقاذفهم من كلّ جانب بكلّ مذلة و احتقار، أولى لكم أن تعتبروا إذا أنتم أضعف منهم
و أعجز.
و ليس عسيرا على اللّه تعالى أن يأخذكم بأشد العذاب نتيجة أعمالكم و جرائمكم،
و أن يجعل عوامل حياتكم أسباب فنائكم، و هذا خطاب لمشركي مكّة، و لكلّ البشر
المغرورين الظالمين العتاة على مر التأريخ، و في كلّ الأعصار و الأمصار.
و حقا فإنّ الأمر كما يقول القرآن الكريم، فلسنا أوّل من وطأ الأرض، فقد كان
قبلنا أقوام كثيرون يعيشون فيها، و لديهم الكثير من الإمكانيات و القدرات، فكم هو
جميل أن نجعل تأريخ أولئك مرآة لأنفسنا لنعتبر به، و لنرى من خلاله مستقبلنا و
مصيرنا.
ثمّ تخاطب الآية مشركي مكّة من أجل التأكيد على هذا المعنى، و لزيادة الموعظة
و النصيحة، فتقول: وَ لَقَدْ أَهْلَكْنا ما حَوْلَكُمْ مِنَ
الْقُرى.
أولئك الأقوام الذين لا تبعد أوطانهم كثيرا عنكم، و كان مستقرهم في أطراف
جزيرة العرب، فقوم عاد كانوا يعيشون في أرض الأحقاف في جنوب الجزيرة، و قوم ثمود
في أرض يقال لها «حجر» في شمالها، و قوم سبأ الذين لاقوا ذلك المصير المؤلم في أرض
اليمن، و قوم شعيب في أرض مدين في طريقكم الشام، و كان قوم لوط يعيشون في هذه
المنطقة، و ابتلوا بأنواع العذاب لكثرة معاصيهم و كفرهم.