فِيهِ[1] فقد
كانوا أقوى منكم من الناحية الجسمية، و أقدر منكم من ناحية المال و الثروة و
الإمكانات المادية، فإذا كان بإمكان القوّة الجسمية و المال و الثروة و التطور
المادي أن تنقذ أحدا من قبضة الجزاء الإلهي، فكان ينبغي على قوم عاد أن يصمدوا
أمام العاصفة و لا يكونوا كالقشة في مهب الرياح، تتقاذفهم كيف شاءت و لا يبقى من
آثارهم إلّا أطلال مساكنهم! إنّ هذه الآية شبيهة بما ورد في سورة الفجر في شأن قوم
عاد: أَ لَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ
بِعادٍ إِرَمَ ذاتِ الْعِمادِ الَّتِي لَمْ يُخْلَقْ مِثْلُها فِي الْبِلادِ[2].
أو هي نظير ما جاء في الآية (36) من سورة ق: وَ كَمْ أَهْلَكْنا قَبْلَهُمْ مِنْ قَرْنٍ هُمْ أَشَدُّ
مِنْهُمْ بَطْشاً.
و خلاصة القول: إنّ الذين كانوا أشدّ منكم و أقوى، عجزوا عن الوقوف أمام عاصفة
العذاب الإلهي، فكيف بكم إذن؟
ثمّ تضيف الآية: وَ جَعَلْنا لَهُمْ
سَمْعاً وَ أَبْصاراً وَ أَفْئِدَةً[3] فقد كانوا أقوياء في مجال إدراك الحقائق و تشخيصها أيضا، و
كانوا يدركون الأمور جيدا، و كانوا يستغلون هذه المواهب الإلهية من أجل تأمين
حاجاتهم و مآربهم المادية على أحسن وجه، لكن: فَما أَغْنى عَنْهُمْ سَمْعُهُمْ وَ لا أَبْصارُهُمْ وَ
لا أَفْئِدَتُهُمْ مِنْ شَيْءٍ إِذْ كانُوا يَجْحَدُونَ بِآياتِ اللَّهِ[4] و أخيرا: وَ حاقَ بِهِمْ ما كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ.
نعم، لقد كان أولئك مجهزين بالوسائل المادية، و بوسائل إدراك الحقيقة، إلّا
أنّهم لما كانوا يتعاملون مع آيات اللّه بمنطق الاستكبار و العناد، و كانوا يتلقون
كلام
[1]- «إن» في جملة (إن مكّناكم فيه)
نافية و لدينا شواهد متعددة من آيات القرآن الكريم وردت في المتن. إلّا أنّ البعض
اعتبرها شرطية، أو زائدة و لا نرى ذلك صوابا.
[3]- يجدر الانتباه إلى أنّ الأبصار و
الأفئدة وردت بصيغة الجمع، في حين أنّ السمع قد ورد بصيغة المفرد، و يمكن أن يكون
هذا الاختلاف بسبب أنّ للسمع معنى المصدر، و المصدر يستعمل دائما بصيغة المفرد، أو
لوحدة المسموعات أما تفاوت المرئيات و المدركات.
[4]- من في (من شيء) زائدة و
للتأكيد، أي لم ينفعهم أي شيء.