الفريقين، فتقول: وَ لِكُلٍّ دَرَجاتٌ
مِمَّا عَمِلُوا[1] فليس
كلّ أصحاب الجنّة أو أصحاب النّار في درجة واحدة، بل إنّ لكلّ منهما درجات و مراتب
تختلف باختلاف أعمالهم، و حسب خلوص نيّتهم و ميزان معرفتهم، و أصل العدالة هو
الحاكم هنا تماما.
«الدرجات» جمع درجة، و تقال عادة
للسلالم التي يصعد الإنسان بتسلقها إلى الأعلى، و «الدركات» جمع درك، و هي تقال
للسلّم الذي ينزل منه الإنسان إلى الأسفل، و لذلك يقال في شأن الجنّة: درجات، و في
شأن النّار: دركات، لكن لما كانت الآية مورد البحث قد تحدثت عنهما معا، و لأهمية
مقام أصحاب الجنّة، ورد لفظ (الدرجات) للاثنين، و هو من باب التغليب [2].
ثمّ تضيف الآية: وَ لِيُوَفِّيَهُمْ
أَعْمالَهُمْ و هذا التعبير إشارة أخرى إلى مسألة تجسم
الأعمال، حيث أنّ أعمال ابن آدم ستكون معه هناك، فتكون أعماله الصالحة باعثا على
الرحمة به و اطمئنانه، و أعماله الطالحة سببا للبلاء و العذاب الألم.
و تقول الآية أخيرا كتأكيد على ذلك: وَ
هُمْ لا يُظْلَمُونَ لأنّهم سيرون أعمالهم و
جزاءها، فكيف يمكن تصور الظلم و الجور؟
هذا إضافة إلى أنّ درجات هؤلاء و دركاتهم قد عيّنت بدقّة، حتى أنّ لأصغر
الأعمال، حسنا كان أم قبيحا، أثره في مصيرهم، و مع هذه الحال لا معنى للظلم حينئذ.
***
ملاحظة كيف حرّفت هذه الآية من قبل بني
أمية؟
ورد في رواية أنّ «معاوية» أرسل رسالة إلى «مروان»- و إليه على المدينة-
[1]- (من) في (ممّا عملوا) للابتداء-
أو كما تسمى نشوية- أو بمعنى التعليل، أي: من أجل ما عملوا.
[2]- «درك»- بسكون الوسط- و درك-
بفتحه- بمعنى أعمق نقطة في العمق، و جاءت- أحيانا- الدرك- بالفتحة- بمعنى الخسارة،
و الدرك- بالسكون- بمعنى فهم الشيء و إدراكه، لمناسبته الوصول إلى عمقه و حقيقته.