إنّ هاتين الجملتين تأكيد لتلك الأدعية الثلاثة و مترتبة عليها، و معناهما:
بما إنّي تبت إليك، و أسلمت لأوامرك، فأنت أيضا منّ عليّ برحمتك، و اشملني بنعمك و
فضلك.
و الآية التالية، بيان بليغ لأجر هؤلاء المؤمنين الشاكرين و ثوابهم، و قد
أشارت إلى مكافآت مهمّة ثلاث، فقالت أوّلا:
أُولئِكَ الَّذِينَ نَتَقَبَّلُ عَنْهُمْ أَحْسَنَ ما عَمِلُوا.
أي بشارة أعظم من أن يتقبل اللّه القادر المنان عمل عبد ضعيف لا قدر له، و هذا
القبول بحدّ ذاته، و بغض النظر عن آثاره الأخرى، فخر عظيم، و موهبة معنوية عالية.
إنّ اللّه سبحانه يتقبل كلّ الأعمال الصالحة، فلما ذا يقول هنا: نَتَقَبَّلُ عَنْهُمْ أَحْسَنَ ما عَمِلُوا؟
و في معرض الإجابة على هذا السؤال، قال جمع من المفسّرين: إنّ المراد من أحسن
الأعمال: الواجبات و المستحبات التي تكون في مقابل المباحات التي هي أعمال حسنة
لكنّها لا تقع موقع القبول، و لا يتعلق بها أجر و ثواب [1].
و الجواب الآخر: إنّ اللّه سبحانه يجعل أحسن أعمال هؤلاء معيارا للقبول، و حتى
أعمالهم التي تأتي في مرتبة أدنى من الأهمية، فإنّه يجعلها كأحسن الأعمال بفضله و
رحمته. إنّ هذا يشبه تماما أن يعرض بائع أجناسا مختلفة بأسعار متفاوتة، إلّا أنّ
المشتري يشتريها جميعا بثمن أعلاها و أفضلها تكرما منه و فضلا، و مهما قيل في لطف
اللّه و فضله فليس عجبا.
و الهبة الثّانية هي تطهيرهم، فتقول: وَ
نَتَجاوَزُ عَنْ سَيِّئاتِهِمْ.
و الموهبة الثّالثة هي أنّهم فِي
أَصْحابِ الْجَنَّةِ[2]، فيطهرون من الهفوات التي
[1]- الطبرسي في مجمع البيان، و
العلّامة الطباطبائي في الميزان، و الفخر الرازي في التّفسير الكبير، و غيرهم في
ذيل الآية مورد البحث.
[2]- (في أصحاب الجنّة) متعلق بمحذوف
هو حال لضمير (هم) و التقدير: حال كونهم موجودين في أصحاب الجنّة.