إنّ هذا التعبير يوحي بأنّ الإنسان يدرك في هذه السن عمق نعم اللّه سبحانه
وسعتها، و كذلك يدرك ما تحمله أبواه من الجهود المضنية حتى بلغ هذا المقدار من
العمر، و ذلك لأنّه غالبا ما يصبح في هذا العمر أبا إن كان ذكرا، و أمّا إن كانت
أنثى، و يرى بأم عينه كلّ تلك الجهود التي بذلت من أجله، و مدى الإيثار الذي آثره
أبواه في سبيله، و شكرا لسعيهما يتوجّه لا إراديا لشكر اللّه سبحانه.
و أخيرا يقدم طلبه الأخير فيقول: وَ
أَصْلِحْ لِي فِي ذُرِّيَّتِي.
إنّ التعبير ب (لي) يشير ضمنية إشارة إلى أنّه يرجو أن يكون أولاده في وضع من
الصلاح و الخير بحيث تعود نتائجه و حسناته عليه.
و التعبير ب (في ذريتي) بصورة مطلقة، يشير الى استمرار الخير و الصلاح في كلّ
نسله و ذريته.
و الطريف أنّه يشرك أبويه في دعائه الأوّل، و أولاده في الدعاء الثالث، أمّا
الدعاء الثّاني فيخص نفسه به، و هكذا يكون الإنسان الصالح، فإنّه إذا نظر إلى نفسه
بعين، ينظر بالأخرى إلى الآخرين الذين تفضلوا عليه و لهم حق في رقبته.
و تبيّن الآية في نهايتها مطلبين، كلّ منهما تبيان لبرنامج عملي مؤثر، فتقول:
إِنِّي تُبْتُ إِلَيْكَ فقد بلغت مرحلة يجب أن أعين فيها مسير حياتي، و أسير في ذلك الخط ما حييت.
نعم، لقد بلغت الأربعين، و يقبح بعبد مثلي أن يأتيك و لم يغسل نفسه بماء
التوبة، و لم يطهرها بالعودة إلى طريق ربّه و يقرع باب رحمته.
و الآخر: وَ إِنِّي مِنَ الْمُسْلِمِينَ.
[1]- «أوزعني» من مادة (الإيزاع) التي
وردت بعدّة معان: الإلهام، و المنع من الانحراف، و إيجاد العشق و المحبة، و
التوفيق.