و قد أجاب القرآن هؤلاء جوابا شافيا كافيا سيتّضح في تفسير هذه الآيات.
أمّا سبب النّزول الخامس الذي ذكر أعلاه، و القائل بأنّ المراد هو عبد اللّه
بن سلام و أصحابه، فمع أنّه نقل عن أكثر المفسّرين على قول الطبرسي في مجمع
البيان، و القرطبي في تفسيره، إلّا أنّه يبدو بعيدا من جهتين:
الأولى: إنّ التعبير ب الَّذِينَ
كَفَرُوا بصورة مطلقة يستعمل عادة في مورد المشركين، لا
في أهل الكتاب و اليهود و النصارى.
و الأخرى: إنّ عبد اللّه بن سلام لم يكن رجلا مجهولات أو ضعيف الشخصية بين
اليهود ليقولوا فيه: إنّ الإسلام لو كان خيرا ما سبقنا هذا و أصحابه إليه.
***
التّفسير
شرط الإنتصار الإيمان و الاستقامة:
تستمر هذه الآيات في تحليل أقوال المشركين و أفعالهم، ثمّ تقريعهم و ملامتهم
بعد ذلك، فتشير أوّلا إلى ما نطق به هؤلاء من كلام بعيد عن المنطق السليم، مبنيّ
على أساس الكبر و الغرور، فتقول: وَ قالَ
الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ آمَنُوا لَوْ كانَ خَيْراً ما سَبَقُونا إِلَيْهِ[1].
فما هؤلاء إلّا حفنة من الفقراء الحفاة من سكان القرى، و العبيد الذين لا حظ
لهم من العلم و المعرفة إلّا القليل، فكيف يمكن أن يعلم هؤلاء الحق و أن يقبلوا
عليه و نحن- أعيان المجتمع و أشرافه- في غفلة عنه؟
[1]- بحث المفسّرون كثيرا في معنى
«اللام» في (الذين آمنوا) إلّا أنّ أنسب الاحتمالات جميعا هو أن «اللام» بمعنى
(في) و بناء على هذا فإنّ معنى الجملة: إنّ الكافرين قالوا في المؤمنين، و لا يأتي
في هذه الحالة إشكال من جهة كون فعل (سبقونا) للغائب. في حين أنّ البعض قد اعتبر
اللام لام التعليل! و قال آخرون (الذين آمنوا) هنا مخاطبون، و جملة (سبقونا) بمعنى
سبقتمونا!