صحيح، إنّ المتقين قد عملوا الكثير من الصالحات و الحسنات، إلّا أنّ من
المسلّم أن تلك الأعمال جميعا لا تستحق كلّ هذه النعم الخالدة، بل هي فضل من اللّه
سبحانه، إذ جعل كلّ هذه النعم و العطايا تحت تصرفهم و وهبهم إيّاها.
هذا إضافة إلى أنّ هؤلاء لم يكونوا قادرين على كسب كلّ هذه الحسنات و لا على
فعل الحسنات لو لم يشملهم فضل اللّه و توفيقه، و لطفه، فهو الذي منحهم العقل و
العلم، و هو الذي أرسل الأنبياء و الكتب السماوية، و هو الذي غمرهم بتوفيق الهداية
و العمل.
نعم، إنّ استغلال هذه المنح العظمى، و الوصول إلى كلّ تلك العطايا و الثواب،
إنّما تمّ بفضله سبحانه إذ وهبهم إيّاها، و لم يكن هذا الفوز العظيم ليحصل إلّا في
ظل لطفه و كرمه.
بحث
ما هي الموتة الأولى؟
قرأنا في الآيات المذكورة أعلاه، أنّ أصحاب الجنة لا يذوقون إلّا الموتة
الأولى، و هنا تطرح أسئلة ثلاثة:
الأول: ما المراد من الموتة الأولى؟ فإنّ كان المراد الموت الذي تنتهي به
الحياة الدنيا، فلما تقول الآية: لا
يَذُوقُونَ فِيهَا الْمَوْتَ إِلَّا الْمَوْتَةَ الْأُولى في حين أنّهم قد ذاقوها، و عليه يجب أن يأتي الفعل بصيغة الماضي لا المضارع؟
و للإجابة عن هذا السؤال اعتبر البعض (إلّا) في جملة إِلَّا الْمَوْتَةَ الْأُولى
[1]- احتملت عدّة احتمالات في إعراب
(فضلا): أحدها: إنّها مفعول مطلق لفعل محذوف، و التقدير: فضلهم فضلا، و الآخر:
أنّه مفعول لأجله، أو أنّها حال.